أكد المشاركون في لقاء نظم مساء الأربعاء المنصرم بالرباط حول موضوع « العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية », أن التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية تعد رائدة وفريدة من نوعها في العالم العربي. وأبرز المشاركون في هذا اللقاء الذي نظمه مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية ومركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية في إطار عملهما المشترك المرتبط بموضوع العدالة الانتقالية, أن التجربة التي نهجها المغرب في هذا المجال جاءت تتويجا لدينامية سياسية تقوم على أساس إرساء وتدعيم وبناء دولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان. شدد المشاركون في لقاء « العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية »على أن السياق الوطني لكل دولة يعتبر مصدرا أساسيا في بناء مسار ونموذج العدالة الانتقالية, معتبرين أن مقاصد ومبادئ هاته العدالة تعد أحد روافد الانتقال الديمقراطي. وشكل اللقاء فرصة اطلع فيها المشاركون على مفاهيم العدالة الانتقالية, وعمل لجان تقصي الحقائق, ومختلف التجارب الدولية, والفوائد والمفاهيم الايجابية للعدالة الانتقالية, وكذا مناسبة لتبادل التجارب في الموضوع واستشراف آفاق التطور في ظل التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة. وبهذه المناسبة, قال الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية في تدخل له أن تجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية ارتبطت بشكل أساسي بتوفر إرادة ودينامية سياسيين شكلتا أرضية للانخراط في أفق الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي إلى حدود اليوم. وأكد بلكوش أن تجربة المملكة, في إطار هيئة الانصاف والمصالحة بالخصوص, تشكل جزءا من الاصلاحات التي اطلقها المغرب لتعزيز دولة الحق والقانون وإرساء ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان. وأضاف أن حصيلة عمل هيئة الانصاف والمصالحة كانت محطة إيجابية في التطور السياسي للمغرب وشكلت أرضية خصبة لمسار الأوراش الاستراتيجية المفتوحة لبناء وإرساء المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي. ومن جهته, أبرز السيد محسن مرزوق، حقوقي تونسي، أن هناك علاقة وثيقة وشرطية بين العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي وبناء نظام سياسي تحترم فيه حقوق الإنسان والمؤسسات باعتباره يشكل ضمانة لعدم تكرار ما جرى مستقبلا, منوها في هذا السياق بالتجربة المغربية في هذا المجال . وأشار السيد مرزوق إلى أن موضوع العدالة الانتقالية يحظى حاليا باهتمام كبير من قبل النخب العربية لكونه يعتبر آلية من آليات معالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان وأداة لدفع التغيير نحو الديمقراطية, معتبرا أن مسألة العدالة الانتقالية مرتبطة بالعديد من الأبعاد المتمثلة أساسا في رد الاعتبار للضحايا وللذاكرة الجماعية وتكريس مفاهيم حقوق الانسان والتربية عليها. من جانبه, قال عمر بوبكري, أستاذ باحث من تونس, إن موضوع العدالة الانتقالية مرتبط بدافعين أولهما «إنساني نابع من الحاجة لانصاف ضحايا انتهاكات حقوق الانسان بالعالم العربي» بينما يرتبط الدافع الثاني ب«تنامي المطالبة بإقرار تحول ديمقراطي في بلدان المنطقة», مبرزا أن نمط العدالة الانتقالية يتعين أن تتوفر فيه ميزة تحقيق التوازن بين مطمح إرساء السلم وغاية العدالة. كما استعرض بالمناسبة ملامح عن تجارب العدالة الانتقالية التي شهدتها بعض البلدان العربية كالعراق و لبنان, مشيرا في هذا الصدد إلى أن القيمة الأساسية التي تميز التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية تتمثل في توفرها على « عنصر المشروعية» وتبلور ظروف ساهمت في إخراجها. أما إدريس لكريني، أستاذ باحث من المغرب، فقد استعرض من جانبه بعض أوجه العدالة الانتقالية والمتمثلة في إحداث لجان تقصي الحقائق, وجبر الضرر الفردي والجماعي, وحفظ الذاكرة, والقيام باصلاحات مؤسساتية وسياسية, مشيرا إلى أن هاته العدالة تستمد أسسها بالأساس من القانون الدولي الإنساني والاجتهادات الفقهية والقانونية ومبادئ الثقافة الديمقراطية. وفي سياق متصل, تم خلال هذا اللقاء, الذي شارك فيه خبراء ونشطاء حقوقيون من عدد من البلدان العربية إلى جانب فعاليات جمعوية وجامعية وطنية, تقديم «مشروع الكواكبي حول العدالة الانتقالية»الذي أطلقه مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية والمؤسسة العربية للديمقراطية بالتعاون مع منظمة «لا سلم بلا عدالة» وبتمويل من الاتحاد الأوروبي. وتتمثل أهداف المشروع في نقل الخبرات الدولية للمنطقة العربية في مجال المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي, وتأهيل خبرات عربية متخصصة ذات كفاءة في مجالات العدالة الانتقالية المختلفة, وتقديم خبرات لقوى المجتمع المدني والحكومات في الدول العربية في مجال التخطيط الاستراتيجي لسيرورات المصالحة الوطنية باعتماد منهجيات وآليات العدالة الانتقالية لفريق العمل العربي حول العدالة الانتقالية.