يخصص جيل كيبل كتابه «يوميات حرب الشرق» لرحلته التي قام بها إلى مصر وسوريا ولبنان وقطر ثم الإمارت العربية المتحدة، قصد التقاط شهادات واعترافات من الطلاب والأئمة والمناضلين الإسلاميين من أجل فهم حقيقي لما جرى يوم 11 شتنبر 2001، وإلى أين انتهت كارثة الجهاد الإسلامي التي بدأت بمهاجمة نيويورك وآلت إلى انسحاق الطالبان ومطاردة بن لادن والانحطاط السياسي للتيار الإسلامي. يتأمل كيبل كل شيء في المدن الإسلامية التي زارها منذ عشرين سنة وعاد إليها ليجدها تتخبط في عصر ظلام غير مسبوقة. وشيء واحد لا يفارق فكره: هذه المدن هي العش الذي ولدت وترعرعت فيه أفكار التطرف الإسلامي. هذه المدن هي المقدمة الأولى التي أنتجت 11 شتنبر. نقدم هنا ، وطيلة شهر رمضان، ترجمة كاملة لكتاب كيبل الشيق. إلى ميشيل ماريان رجل الفكر من جزيرة روضة إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة، لا تتجاوز المسافة بضعة كيلومترات وسط ازدحام السير على طول حي الإقامة العتيق «غاردن سيتي». العديد من الفيلات الاستعمارية الجميلة، وشقق بشوات النظام القديم،لإنجليز وفرنسيين ويهود،تم حجزها بعد الهجوم الثلاثي على قناة السويس سنة 1956، فتم تحويلها إلى عمارات عامة. كانت وسخة، أغلبها عبارة عن خراب، ولم يته الاهتمام بها عموما، لكن ذلك أنقدها أحيانا من الهدم، أمام زوبعة المضاربة العقارية القاهري خلال السنوات العشرين الأخيرة. الجامعة الأمريكية مطوقة وراء حيطان عالية خلفها يوجد أبناء الطبقات الميسورة. تكاليف الدراسة تصل، حسب مجموع الدروس، إلى 15000 أورو في السنة، دون احتساب الكتب المستوردة الباهظة الثمن. وليس نادرا أن ترى الطلبة يترجلون من سيارات جميلة بسائقين، في حين أن زملاءهم في الجامعات المصرية العمومية مضطرون لقطع مسافات لا تنتهي على متن حافلات عتيقة ومزدحمة حيث الاختلاط صعب. ومن جهة أخرى، فباقتراحهم على الطالبات الاستفادة من خدمات استثنائية لشبكة من الحافلات الصغيرة تمكن المناضلون الإسلاميون في الحرم الجامعي من اكتساب شعبيتهم، منذ خمسة وعشرون سنة، كما أطلقوا ارتداء الحجاب في الجامعة...في الجامعة الأمريكية، توجد أقلية مستبصرة من الفتيات المتحجبات والشباب الملتحين انفصلوا عن جموع الطلبة حيث يهيمن أشخاص رفيعي المستوى ، يرتدون اللباس الضيق، ويحلقون رؤوسهم على طريقة المسلسلات التلفزيونية فيما وراء الأطلنطي، ويذكرون بالوصلات الإشهارية الخاصة بالشامبوان. وسط الحرم الجامعي، توجد عمارة ضخمة على شكل عنبر، متنافرة مع المعمار العام المعتنى به، تحمل لافتة مكتوب عليها باللغة الانجليزية Praying Ground « فضاء خاص بالصلاة». زميلة لي وصلت حالا من كندا، وغير متعودة على وجود مسجد في قلب جامعة، اعتقدت أن الأمر يتعلق ب «قاعة لعب». ورغم ذلك فهو مسجد يصدر منه فجأة النداء إلى الصلاة، في قلب Playing Ground أهم ناقل للتأثير الثقافي الأمريكي على الشباب البورجوازي المصري. في المجلة الأسبوعية المزدوجة اللغة «القافلة» التي تصدرها الجامعة ، كتبت الطالبة محررة المقال «أن الدين الإسلامي يتقدم داخل الحرم الجامعي رغم وجود القوالب جاهزة»، وأنه لا ضير في انتشار المظاهر الغربية، مادامت تسمح بالأخذ من ثقافات أخرى ظواهر يستفيد منها المجتمع المحلي. لقد تحملت الجامعية الأمريكية المقال ، ففي السنوات الأخيرة احتج مجموعة من الآباء ضد أساتذة يدرسون في الفصل أعمالا «لاأخلاقية». وكل انتباه الإدارة اتجه نحو أولئك الذين يؤدون مبلغا باهظا عن التسجيل... والكتب الساخنة التي من تأليف ماكسيم رودنسون أو كاتب هذه السطور أخذت طريقها من المكتبة نحو جهنم. هنا نضع الإصبع على المفارقة في العلاقة مع الغرب، ومع الولاياتالمتحدة على الخصوص: عائلات المغتربين العائدين أغنياء من الجزيرة العربية يسجلون بناتهم المحجبات في الجامعة الأمريكية، وليس في الجامعات العمومية «الشعبية جدا». أمريكا تجذب، إنهم يبحثون عن الاندماج في حضارتها، في ثقافتها،، في أنماط استهلاكها، يجعلون منها علامة على التميز، لكنهم يحاولون في هذا الإطار التفاوض حول الهوية الخاصة. ما يجري هنا ليس حربا بين الحضارات، بل هي محاولة للإسهام في حضارة كونية مهيمنة والتأثير في مضامينها، و تملكها حتى ، في حالة الأكثر نضالية.