خلف جغرافية تقاجوين آيت حنيني الواقعة بين إقليمي خنيفرة وميدلت، ارتفع صراخ مولود ذكر حديث الولادة معلنا بذلك انضمامه للحياة. وبقدر ما كانت ولادته طبيعية تحت إشراف قابلة من المنطقة، فوجئت أسرته الفقيرة بخروجه دون يدين ولا رجلين، في صورة نادرة، مما كان بديهيا أن يصيب أفراد الأسرة بكثير من القلق والدهشة والارتباك قبل أن يسلم والده، عزيز أعدي، ووالدته، رابحة أوعبدالسلام، أمرهما وشكرهما لإرادة الخالق في التعبير عن فرحتهما باستقبال مولودهما طالما هو من لحمهما ودمهما، واختارا له اسم عبدالجليل، في جو احتفالي يتماشى وطقوس القرية، وكما لم تشعر الأم بأي شيء غير عادي خلال فترة الحمل، فالمولود الآن يعيش بشكل طبيعي، فقط لا يعلم أحد بما يخبئه له القدر ولحياته المستقبلية. وبما أن والدة المولود ليست سوى واحدة من بنات خال الوالد، فقد اعتقد البعض أن تشوه خلق هذا المولود سببه ما يعرف ب»زواج الأقارب»، في حين فسرها آخرون بتشوه وراثي، أو بما يسمى طبيا ب»لافاكوميلي»، إلا أن الزوج أكد إنجابه لطفل سليم من زوجته ذاتها، يبلغ حاليا ثماني سنوات من عمره وهو يتابع دراسته بطريقة طبيعية، كما أن شجرة أسرته لم يسبق لها أن سجلت ولادة من هذا النوع، بينما احتمل آخرون أن يعود سبب تشوه المولود إلى تعاطي الأم لنوع من الأدوية أو الأعشاب أثناء الحمل مما أثرّ على نمو الجنين. وبخصوص مولوده الجديد اكتفى الأب، وهو فلاح بسيط، بإعرابه عن تقبله لقدر وقضاء ربه، شأنه شأن جد المولود، باسو أعدي، الذي لم تفارق شفتيه عبارات الفرح بقدوم الحفيد الذي اكتشف جميع من بالبيت أنهم يحبونه كثيرا، ومن حق ساكنة القبيلة ومكونات المجتمع المدني أن تلتمس من مختلف الجهات والمنظمات التي يعنيها الأمر أن تبادر إلى تبني حالة المولود ومساعدة أسرته ماديا ومعنويا. وبالرغم من أن الكثيرين رفضوا تحليل أو حتى مناقشة حالة المولود، أو عادوا بها إلى« لله الذي في خلقه شؤون»، فإن بعض المهتمين بالشأن العام المحلي وجدوا في هذه الحالة مناسبة لتجديد الإشارة للوضع الصحي المتردي بالمنطقة، وبما أن الحوامل مجبرات على عرض أنفسهن على مختصين في التوليد أثناء فترة الحمل، وبإمكانهن اكتشاف التشوهات الخلقية قبل الوضع، فإن المنطقة تشكو من افتقارها لهذا الجانب سواء من حيث المجال الصحي أو التحسيسي، ولا أحد من سكان آيت حنيني لا يتذكر جيدا محنة المرأة الحامل التي جاءها مخاض عسير يستدعي إخضاعها لعملية قيصرية، والمنطقة غارقة حينها تحت الثلوج، وفي انعدام مركز صحي يتوفر على أياد طبية تساعد النساء الحوامل، حيث تم حمل المرأة الحامل على متن جرار (تراكتور) فلاحي نحو الطريق الرئيسية، لتنقل إلى المستشفى الإقليمي بخنيفرة، على بعد75 كلم، وأجريت لها العملية بنجاح، والكل بالمنطقة يتحدث عن شبح الموت الذي حصد في وقت سابق أرواح عدد من النساء والأجنة والمواليد، إما أثناء الحمل أو الوضع، أو على الطريق باتجاه خنيفرة نتيجة الظروف غير الصحية.