للكبار قيم خاصة، يعتزون بالانتماء إلى دائرة التواضع والاستقامة، ويخافون الاقتراب من مساحات الوضاعة. للكبار فقط عناوين محددة، يكتبونها بحروف يقرأه الجميع، وينحني أمامها الجميع. هكذا هو أحمد مكروح، الجديدي الرائع، ينتمي إلى هذه العينة من الناس الطيبين، في عيونهم خجل البساطة، خجل لا يسكن إلا في قلوب الكبار. بابا، اسم ردده المغاربة ومازالوا، لأن اسم بابا مازال الوحيد الذي أهدانا تلك الكأس التي تشكل إلى حد اليوم عقدتنا الكروية، هي كأس واحدة لا ثاني لها، ومازلنا نبحث عنها منذ أواسط السبعينيات. على أبواب مدينة الجديدة، تفتح باب العناوين والأرقام الهاتفية، وتجد سي أحمد على اللائحة الأولى. تبحث عنه ولا تجده إلا بعد جهد جهيد. هكذا سي أحمد، الرجل الذي يعشق الظلال ويعشق أن يكون في زوايا بيت هادىء بدون ضجيج. بعيداً هناك مع ثلة من المقربين والأصدقاء الأوفياء. سي أحمد، نموذج لجيل كروي انمحى، جيل كان يعطي ولا يفكر في أن يأخذ. بل لم يفكروا قط فيما سيأخذون، همهم الوحيد أن تكون الكرة المغربية والعلم المغربي في سماء المجد. جيل سي أحمد ظل مفخرة للكرة المغربية، فبعد أن سجلوا حضوراً في مكسيكو 70، لأول مرة في تاريخ الكرة الافريقية والعربية، من قبيل علال، باموس، قاسم ،السليماني والعلوي والفيلالي وحمان والغزواني، جاء الدور على جيل قريب كان سي أحمد أحد الرموز الكبار لهذه المرحلة التي كان فيها اللاعبون المغاربة يمثلون بحق أسود الأطلس. لكن هاته الأسماء التي احتلت عقداً بكامله ومثلت الكرة المغربية طيلة هذه المسافة الزمنية، لم تأخذ نصيبها بالكامل، وعاش أغلبها ظروفاً مادية صعبة بدون أن يلتفت إليهم أحد. وظلوا ينتظرون التفاتة من هنا وأخرى من هناك فيما يشبه الصدقة. وعلى خلفية هذا الوضع المادي والاجتماعي الصعب، تم التفكير في أولى سنوات التسعينيات في خلق صندوق خاص بقدماء اللاعبين، تشكل انتقالات اللاعبين إلى الخارج، جزء مداخيله عبر نسبة عامة تم تحديدها وقتذاك. ومازلت أتذكر، إن لم تخني الذاكرة، أن أولى هذه الأرقام، كانت بفضل انتقال اللاعب الدولي ومدافع الجيش الملكي الحضريوي. واستمرت العملية هكذا. ولا نعرف اليوم، هل مازالت العملية مستمرة أم لا، وهل مازال الصندوق موجوداً أصلاً، وكم رقم معاملته ومن استفادوا من هذه العملية؟ لا أحد يعرف. حتى التقارير المالية المتتالية للجامعة وللمجموعة، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد الى هذا الصندوق، حتى أضحى صندوقاً أسود، غير معروف من يتصرف فيه ومن يتحكم في مفاتيحه. وظلت الفرق والأندية وحدها، تتحمل مصاريف هذا الجيل، سواء من خلال تنظيم مباريات تكريمية، أو جمع ما يلزم من المال من طرف المحبين والغيورين على هذا النادي أو ذاك لدفع إما مصاريف العلاج أو شراء شقة ضيقة في أحياء البؤس البعيدة. ورغم أن هذه المآسي تكررت مئات المرات، لم يتم التفكير في إيجاد حل نهائي، حتى يستقيم الوضع الاجتماعي للاعبين الذين مثلوا المغرب، ولبسوا قميص الفريق الوطني. ليس في كرة القدم وحدها، ولكن في جميع الرياضات. ونراهن بقوة على نظام الاحتراف المزمع الدخول إليه، أن ينهي هذه المأساة وهذا الجحود، وعدم الاعتراف. مهما يكن، فهذا الجيل ظل واقفاً مثل شجر النخيل، ولم أر العديد منهم يمدون اليد، بل ظلوا محتفظين بكرامتهم وأنفتهم وعزة نفسهم. فتحية لهذا الجيل الذي ظل وفياً لمبادىء السمو.