نور الدين.. تعرف أنني متقاعس عن الكتابة، وأتهيب بياض الورق... لكن رحيلك المباغت وهول الفراغ دفعني للتطفل على الكتابة وعليك مرة أخرى، فمعذرة يا مجنون السينما والفن وأشياء أخرى... لكن ما عساني أقول والقلب يعوي قبل دمع العين... ويصيح لماذا يذهب الذين نحبهم، لماذا ينسحبون تباعا بصمت ودون إشعار مسبق تتناسل الأسئلة ولا جواب محدد سوى مزيد من الألم وإحساس متزايد بعبثية الحياة... أتذكر ما قاله صديقنا محمد جبران وهو ثمل بالألم أمام كشك الراحل تيريدا، بعدما علم بموته «... علاش أخويا تيريدا خويتي بنا حنا راه غير متكيين على بعضيتنا...» قالها الذي نسميه «تأبط نقيرا» فأوجز القول واقتصد العبارة، وبدوري أقولها لك ولكل الذين أحببناهم وغادرونا فجأة. أتذكر تحملك لشغبي ومشاكساتك وابتسامتك الخجولة المتميزة عندما كنت أتلاعب باسمك الشخصي فأسألك: أتفضل أن تكون نور الدين lumiere de la religioin أم مجرد إنارة سينمائية، فكنت تكتفي بالإشارة البليغة والابتسامة المعبرة.. وحتى اسمك العائلي لم يفلت من مقترح سيناريو صغير، حينما اقترحت عليك أن أتطوع نيابة عنك لرفع دعوى قضائية لإصلاحه أي الاسم العائلي ليصبح «كشطوني» في تلميح لنقاوتك وزهوك وحبك للانزواء، وتحاشي المتهافتين أيها الحلزون الجبلي. نوبات غضبك الطفولي الذي سرعان ما يتلاشى.. وحتى طيبوبتك الأصيلة لم تكن تثنينا عن مشاكستك والاستمتاع بمحاولة حصرك في الزاوية. من نادي العزائم على ما أظن الى نادي العمل السينمائي، إلى ما يشبه الاحتجاج والانسحاب اللبق... حتى نادي السينما الجديدة بعين السبع رفقة ثلة من هواة الشغب الجميل والمهووسين بالسينما والعمل الجمعوي الجاد قفزا على الجامعة الوطنية للأندية السينمائية وتطوراتها. وكذا جمعية النقاد ودار الوصل والكتابة النقدية والصحفية... في كل ذلك كنت حاضرا دوما بلطف وسلاسة: فكرة، تحفظ، اقتراح، انتقاد هادئ، تشنج طفيف وعابر، مزحة ونكتة، تواطؤات صغرى وجميلة، مقالات... كنت دائما حاضرا بيننا وكان حضورك طلائعيا، ولذلك ستبقى بيننا أيها الرفيق والأخ العزيز. ماذا سأقول بعد ذلك؟ ليعذرني الراحل المجاطي «يسعفني الدمع والكأس ولكن لا تسعفني العبارة آه كم كنت وحدك في أغلب الأحيان... هاتفت حسني ثم سكري ثم الآخرين فأحسست بالغصة في الحلوق والنبرات. فكان ما يتعارف عليه بالعزاء... لكن لا عزاء لنا.. سوى أنك بقيت نظيفا، من الطبيعة ثم السينما والفن أتيت وإليها كلها عدت... ولا يهم بعد ذلك كيف. لماذا غادرتنا هكذا..؟ لا عزاء لنا ولسنا بصدد البحث عنه. واسمح لدفاعك (....) أن يقولها مرة أخرى: وداعا أيها الرفيق لأنك كنت فعلا كذلك . وداعا نور الدين... رغم أنني واثق أنك سترافقنا دوما وسنلتقيك في أزقة عين السبع والبرنوصي والمعاريف ودرب السلطان وأمام الأبواب المقفلة لما تبقى من القاعات السينمائية، وفوق خشبات ما يسمونه بالمسارح والمركبات وحتى بعض دور الشباب إن لم يقع تفويتها. نعم ستلاقينا بابتسامتك وسنتسامر ونتقاسم الآلام وحب هذا الوطن ونختلس بضع لحظات فرح طفولي.. سيستمر كل ذلك حتى ننسحب تباعا ... وبصمت مثلك تماما. مراكش 2010/7/6