الشمس تتوسط كبد السماء، محج الأمير مولاي عبدالله «البرانس» ممتلئ بالمارة ، منهم من يجلس متأملا المارة و البعض الآخر يشتري لأبنائه المثلجات بمختلف أحجامها من محلات «الايس كريم» ، و بمحاذاة هذه الأخيرة يوجد أطفال يتأبطون «سلالا» رصت فيها علب المناديل الورقية «الكلينكس» و العلكة ، يكررون لازمة حفظوها عن ظهر قلب «عفاك خود كلينكس.. فليو...» . هذا مايقوم به «بدر» ( حوالي 12 سنة ) يقطن بدرب المعيزي ، مستواه الخامسة ابتدائي ، حينما طرحنا عليه سؤالا عن السبب الذي يجعله يمتهن هذه «الحرفة الموسمية» ، أجاب «أقوم بذلك بحكم أن والدي يمتهن الخياطة التقليدية ولا يجني منها الكثير و أيضا بغرض توفير بعض النقود لشراء الكتب المدرسية وبعض الثياب للموسم الدراسي القادم ». و تضيف أخته شادية التي انقطعت عن الدراسة في سن مبكرة «نتوجه إلى هذا المكان من الساعة 11 صباحا إلى 7 أو 8 مساء بحكم أنه يعرف تواجد أناس كثر من ميسوري الحال، لكن رغم ذلك فنحن لا نجني في اليوم الواحد سوى 40 درهما وإن زاد وصل إلى 70 درهما » . هناك من الأطفال من حمّله الزمن مسؤولية أكبر منه بكثير هي في الأصل من اختصاص الكبار، هي مسؤولية التكفل بالأسرة و تحمل عبء مصاريفها . عبد المجيد البالغ من العمر 13 سنة ، يسكن بمنطقة الهراويين ، يقول في هذا الشأن «أبي عاطل عن العمل، لهذا أقوم باقتناء علب الكلينكس ، بالإضافة إلى السجائر، لبيعها يتطلب الأمر أحيانا كثيرة أن أتوسل إلى المارة وأستجديهم عسى أن تحن قلوبهم .. أتقاسم وأختي اليوم بأكمله، إذ أن الفترة الصباحية تكون من نصيبي بينما أختي تشتغل في فترة الظهيرة». و بصوت حزين يسترسل «أتلقى الاهانات و الكلمات الجارحة من لدن بعض المارة لكنني لا أهتم بذلك لأن همي الوحيد أن أبيع كل ما تحتويه السلة » . بصوت مرتفع ومصحوب بكلمات عنيفة تقول إحدى الأمهات لابنتها هي الأخرى تبيع «المناديل الورقية» ، «إلا ما بْعت والو غادي نشبّعك عصا »! وبنبرة خوف تجيبها «غاتهناي غادي نبيعها كلها ». و بمجرد مغادرة الأم ، قصدت الطفلة الصغيرة أحد المارة محاولة الإمساك به موجهة إليه كلمات كلها استجداء و رجاء، ليستسلم ، في الأخير ، لإصرارها ، حيث اقتنى منها علبة بدرهمين . الإلحاح نفسه يتكرر مع كل شخص تصادفه في طريقها! إن الفقر المدقع، يبقى ، حسب بعض المواطنين / المارة ، السبب الرئيسي في تزايد مثل هذه المظاهر المؤلمة لأطفال صغار يجدون أنفسهم في سن مبكرة يمارسون التسول ، ولو بطرق مقنعة ، من أجل إعانة الآباء والأمهات في توفير جزء من مصاريف المعيش اليومي الباهظة، صغار فرضت عليهم ظروف قاهرة «اعتراض سبيل» أقرانهم ممن يكونون برفقة آبائهم بعلب «المناديل الورقية » لتنظيف ما علق بأفواههم من تناولهم للمثلجات بدل تذوق طعمها!