خصصت المجلة الألمانية «آب فيرتسيشه» ملفا يتكون من أربع صفحات للفنانة الألمانية/المغربية مغنية الأوبرا مليكة رياض. وبهذه المناسبة أجرينا معها هذا الحوار حول تجربتها في الموسيقى الكلاسيكية ودور الموسيقى في مد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات وكذلك عن مشاريعها الفنية في المغرب، حيث تعتزم تحويل الأسطورة المغربية الشهيرة «إيسلي وتيسليت» إلى أوبرا تمزج فيها الموسيقى المغربية بالموسيقى الغربية الكلاسيكية. هل لك أن تعرفيننا بهذا الكونسيرت ؟ دعني أرجع شيئا ما إلى الوراء، بعد إتمام دراستي عملت كمغنية متنقلة في عدد من دور الأوبرا، كنت سعيدة بتواجدي في المسرح الوطني في ميونخ، و أحس دائما بسعادة وارتياح عندما أتواجد في محيط يضم فنانين من دول مختلفة. لم أكن أركض وراء الشهرة ولست من أولئك الذين يصرون على بناء مسار مهني ناجح، فأغلب المشاريع التي قمت بها تأتيني من تلقاء نفسها. الأسفار وتحمل جزء من مصاريف الإقامة من أجل عروض تجريبية، واحترام قواعد اللعب هذه مع ضرورة التعايش دائما مع أجوبة رفض المشاريع وما تخلفه من استياء، إنه مسار صعب. لم أرتح إذن لقواعد اللعبة هذه، ومن جهة أخرى أتوق للأوبرا، كنت أريد معانقة فرحة خشبة المسرح. في سنة 2002 كنت أنا وعازفة البيانو الصديقة هايكه بليكمان في أمسية غنائية في منطقة قريبة من أولم جنوبألمانيا، فعرض علينا مشروع يعزف فيه كل من أرنولد شونبيرغ، هانز آيزلر وكورت فايل. ولأن العرض غاية في الأهمية، أردنا القيام بعرض تجريبي، فطرحنا المسألة على المتحف التابع لقصر كالرسروه حول إمكانية تقديم عرض مجاني في قاعة الحديقة. وجد هذا العرض اهتماما كبيرا لدى الصحافة، وامتلأت القاعة عن آخرها وحقق نجاحا كبيرا على الرغم من أن البرنامج لم يكن معروفا، وتولدت الفكرة في الأمسية نفسها بالاستمرار في هذا المشروع. ومنذ سنة 2004 يستمر كونسيرتو قصر مارلسروة بمبادرة شخصية. عروض الكونسيرت هي بالمجان، وهذا شيء أساسي بالنسبة لي. احتضن هذا المشروع عدد من المؤسسات؛ مؤسسات خيرية وشركاء والجمعية المانحة، جهة بادن فويرتمبيرغ ومدينة كارلسروه، كلهم يساهمون في هذه السلسة من العروض الموسيقية غير المألوفة التي تقدم مواضيع مختلفة. وكنتيجة للدخول المجاني، هناك خليط من الجمهور. البعض يحضر لأن الموضوع يهمه والبعض الآخر لأنه لم يسبق له أن شاهد عرضا كلاسيكيا. وأحيانا يتقدم لنا الجمهور بالشكر لأنه ليس له الإمكانيات المادية لحضور هذا النوع من الأنشطة. في سنة 2006 أنتجنا عرضا أوبراليا بمناسبة مرور 250 سنة على ميلاد أماديوس موتزارت تحت اسم «أسمي فولفغانغ أماديو» الذي عرض في باحة القصر وتابعه أكثر من ألف شخص. كان بمثابة تحقيق حلم كبير تطلب جهدا كبيرا. وفي سنة 2009 قدمنا عددا من العروض في الهواء الطلق. وعن طريق هذه العروض، تعلمت المثابرة والتحدي وعدم الاستسلام من هي الشريحة التي تتوجهين لها من خلال عروضك؟ الأناس المنفتحون هم جمهور عروضي. ما هي انعكاسات الهجرة على هويتك الشخصية والفنية؟ تصعب عليّ الإجابة عن هذا السؤال، لأنني لا أعرف كيف سيكون إحساسي إذا لم أكن من أصول مهاجرة. عدد من الفنانين، وحتى الذين ليسوا من أصول مهاجرة، يحاولون مد الجسور بين الثقافات. الإحساس بالغربة يكون أولا مع الذات، يمكن أن يشعر المرء بالغربة في وطنه الأصلي و لربما حتى داخل عائلته. أشعر براحة دائمة في ألمانيا، وأحيانا ألاحظ أنني أسبب للناس نوعا من الشعور بالإحراج من خلال طريقة كلامي المباشرة. ذات مرة سألني زميل لي في المدرسة هل مزاجي معتدلدائما، لأنه كان يراني أضحكباستمرار، ولما أجبته بالإيجاب، رد قائلا: «أنت فعلا سطحية» !!! في المغرب يتحدث الناس بطريقة تلقائية. هناك اهتمام بالآخر وغالبا ما تتبع هذا الاهتمام ابتسامة. عندما زرت المغرب لأول مرة، توجهت لي شرطية مراقبة الجوازات بعد الاطلاع على الوثائق قائلة وهي تضحك: كيف يمكن لمغنية ومحام أن يتزوجا؟! ، ضحكت أيضا وترجمت كلامها لزوجي الذي اضطر أيضا للضحك. لا يمكن تصور هذا في ألمانيا، على الرغم من أنني أرى أن عدة أشياء تغيرت في السنوات الأخيرة. وأصبح الألمان أكثر انفتاحا ويتفاعلون بتلقائية في نقاشات عفوية. شعرت في السابق ولمرات عديدة بالارتباك لاعتقادي بأنني أتصرف بطريقة خاطئة، غالبا ما كان ينتابني الخوف أن أتصرف بشكل خاطئ في المغرب وفي ألمانيا. ما الموضوعات التي تستحوذ على محتوى غنائك بشكل عام؟ مبتغاي أن أجد نفسي في الثقافتين وأن يحصل تعارف قوي و متبادل بينهما: فنيا تهمني العلاقة مع الناس، ماذا يربطنا، ماذا يفرقنا؟ أحس بالغربة عندما لا أستطيع التواصل مع الناس. وكثيرا ما تطرق عصر الرومانسية للشعور بالغربة في العالم. ولقد تناولنا في العديد من الأمسيات الغنائية هذا الموضوع، وهكذا كان حال كونسرتو كارلسروة على سبيل المثال، حيث أحيينا أمسيتين رفقة الشاعر السوري سليمان توفيق. لا أعيش في عالمين، أنا هما معا. وفي مدينة زاربروكن، قدمنا في إطار برنامج رامش للتبادل الثقافي « كونسرتو « أغاني الغجر، اوهو يعبر عن الإحساس بالغربة في الوطن . هل لك أن تحدثينا عن نشاطاتك الفنية في المغرب؟ نعم، وهذا يسعدني. التواصل مع الثقافتين هو شيء جيد بالنسبة لي، ومبتغاي أن أجد نفسي في الثقافتين وأن يحصل تعارف قوي و متبادل بينهما. تعرفت سنة 2004 على السيدة ثريا السراج من الإذاعة المغربية التي أذاعت حوارا معي، وبناء عليه تلقيت دعوة من عمر سليم في صيف 2005 للمشاركة في برنامجه التلفزيوني باللغة الفرنسية « أدب وفن» في القناة الثانية المغربية، كانت حلقة في غاية الأهمية مع فنانين مغاربة يقيمون و يعملون خارج المغرب. وأشكر أيضا جهود الدكتور الحدوثي، رئيس شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا، الذي لم يذخر جهدا للقيام بمشاريع في المغرب، فعن طريقه قدمت وفرقتي الأوبرالية سنة 2007 عرضين في المغرب، واحد في جامعة الأخوين والآخر على خشبة مسرح مكناس. كان القلق سيد الموقف، لأن زملائي لم يسبق لهم أن زاروا المغرب و لم يعرفوا ماذا ينتظرهم هناك، وكانوا جد سعداء. وفي خريف 2008 قدمت عرضا في الرباط رفقة المغربية عازفة البيانو غزلان حمادي بناء على دعوة من سفارة ألمانيا في المغرب. كنا سعيدتين معا، ومن خلال هذا الكونسرتو توصلت إلى نتيجة مفادها أن الكثير من الناس في المغرب على اطلاع بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، وأن العديد منهم ليست لهم الإمكانيات للوصول إليها. أذكر أنني، و أنا على متن سيارة أجرة، عرف السائق، من خلال الحديث الذي دار بيننا، أنني أزور الرباط لتقديم كونسرتو، فالتمس مني أن أغني له شيئا ما، وهكذا كان، وعندما غنيت قطعة إسبانية، أمعن النظر في طويلا، ثم حاول تقليدي فضحكنا... أفكر في إنجاز أوبرا باستيسيو سنة 2011، وهو مشروع مغربي ألماني . في السابق كان عاديا استنبات مقاطع من الأوبرا في سياقات أخرى، كما هو الشأن في «باستيليا» والتي تتشكل من عدد من مكونات الأكلات الشهية. ومكونات هذه الباستيليا، هي خرافة مغربية تحمل اسم « إيسلي و تيسليت»، قصة روميو وجوليت المناطق الأمازيغية في جبال الأطلس الكبير. إنني جد سعيدة بهذا المشروع المشوق.