صدر مؤخرا في العاصمة الفرنسية باريس كتاب تحت عنوان «أنا بهية، الناجية من الموت» صاغت بين دفتيه رفقة الصحفي العربي عمر الگندوز تفاصيل رحلتها الأخيرة رفقة والدتها على متن الطائرة اليمنية التي تحطمت في عرض المحيط الهندي قبل أن تحط بمطار عاصمة جزر القمر. تروي بهية البكري، الطفلة البالغة من العمر 13 سنة، كيف قاومت الموت غرقا وهي متشبثة بحطام طائرة تتقاذفها الأمواج لمدة أزيد من تسع ساعات قبل أن ينقذها صياد. كتاب، تطرقت فيه بهية، الطفلة البكر في أسرة تتكون من أربعة إخوة وأخوات، أيضا للحظات الأخيرة وأجواء الرحلة قبل أن تتحطم الطائرة، واسترجعت فيها علاقتها بوالدتها عزيزة التي قضت في هذه الفاجعة مثلها مثل 152 من الركاب وعلاقتها بوالدها قاسم وصديقاته.. واستعادت بهية، الناجية الوحيدة من بين ركاب الطائرة اليمنية، أجواء ما بعد إنقاذها من الموت، وكذا الاهتمام الاعلامي بها واهتمام المسؤولين الحكوميين الفرنسيين بها وزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لها شخصيا. لم تعد بهية تتثق في الأصوات التي تعتقد انها قادمة من السماء. أصوات محركات طائرات تمر فوق رأسها ذهابا وإيابا وتخترق المحيط الهندي الذي ما تزال تصارع فيه الموت. بالرغم من وضعها المنهك، فكلما حسبت بهية أن طائرة مرت بالقرب منها إلا ورفعت رأسها لتبحث عن صوت محركها المنبعث من مكان ما في الافق، غير أنها لاتعثر على شئ. تحاول أن تصرح بكل ما أوتيت من قوة حتى يهتدي إليها منقذ لها، إلا أنها تجد نفسها غير قادرة على ذلك فحنجرتها تؤلمها بقوة كما أنها تأكد أنه وسط كل السواد الذي يعم المكان لن يتمكن أحد أن تحديد مكانها من أعلى. تصغي بهية السمع وسط ظلمة البحر بحثا عن أدنى طوت منبعث من مكان ما قد يساعدها إلى لاهتداء الى مكان منقذيها. لم تعد بهية تسمع أي صوت عدا أصوات رياح العاصفة. وبالرغم من ذلك تشبثت بالبحث عن مخرج لوضعها المفجع إلا أن التعب بدأ يذب في جسدها و بدت مرهقة. فقد فقدت الامل في العيش مقارنة مع بدايات لحظات سقوط الطائرة وأضحت متأكدة انها ستلقي حتفها. جسدها المثقل بالعياء والمنخفض الحرارة، جعل بهية تسترجع بصعوبة اللحظات الجميلة، التي عاشتها وهي تستحم بين الفينة والأخرى رفقة دميتها المصنوعة من الريش، وأحبت وسط هذا المحيط لو تضمها الآن إلى صدرها وتداعبها بحرارة. اشتد تعب بهية وكبرت رغبتها في الخلود الى النوم حتى تتمكن من أن تنسى كل هذا الخوف و الفزع، بالمقابل كانت رغبتها في النجاة من الموت تجبرها أن تبقى يقظة كي تتمكن من ملاقاة من سيأتي لانقاذها. لا تود أن تخلف بهية فرصة لقاء من يأتون بحثا عنها وسط امواج البحر. فبالنسبة إليها قدومهم إليها هو مسألة وقت فقط، ونجاتها يرتبط بوصول قارب أو طائرة الى المكان حيث توجد. كلما نجحت بهية في أن تعيش لحظات أمل على أن تنجو من الموت الحقق إلا وفرض الشك نفسه عليها كون نجاتها ضرب من الخيال وأن لا أحد سيتمكن من الوصول إليها والعثور عنها في هذا المكان المظلم. تواصل بهية التشبث بشظايا الطائرة بشكل مذهل خوفا من الموت، وبالموازاة تسترجع كل شريط حياتها، فقد امتلأ رأسها بكثير صور حياتها واجتاحته ومضات لمراحل من عمرها إلا الحد الذي تأكدت لما سمعته من الآخرين أن اللحظات اللحظات الأخيرة من الحياة التي تسبق الموت يرى الشخص منا كل تشاهد كل شريط حياته بأم عينه. كان لتذكر حياتها بمنطقة كوربييل رفقة إخوتها وأختها أثر البلسم عليها وسبهتته بحلم هادئ جميل. تذكرت كيف أن كل افراد الاسرة يحملون اسماء شخصية تبتدئ جميعها بحرف «الباء» كما الاسم العائلي للأسرة. وتذكرت أن الوالدة هي من أطلقت عليها اسم «بهية»، التي تعني «الجميلة». الوالدة منحت «بهية» اسما، بالرغم من ان التقاليد تؤكد على أن الوالد هو من يمنح الاسماء للاطفال حديثي الولادة ذكورا وإناثا. انتاب بهية الخوف أن لا تعاود رؤية اخوتها، وتداعبهم كما فعلت دائما. فقد تملكتها رغبة جامحة في ان تتحسس اجسادهم وأن تتحدث اليهم ولو لبرهة. تمنت لو قامت بهذا قبل ان تغادر بالرغم من أنهم كانوا نائمين. قلبها يعتصر ألما، وعيونها امتلأت دمعا تعمل جاهدا على أن لا تدرف ولو واحدة. هذا الوضع لم يمنع بهية من أن تتذكر حقيبة سفرها، المملوءة بكل الهدايا التي كانت تحملها إلى الأسرة بجزر القمر، تغرق في عمق مياه المحيط وما صاحبه من تخوف، لما تعيشه من قلق وسط البحر، في عدم تأخرها في اللحاق بحقيبتها، غرقا في عمق البحر. تذكرت بهية، كيف صاحبت الوالدة الى محلات المدينة لاقتناء من الهدايا و الألبسة ما يمكنه أن يفرح قلوب في أهلها بالقمر. لم تجد بهيه من حيلة لمقاومة الألم الكبير الذي ينتاب كامل جسدها، تتفادى النوم، إلا أن تتملى مثلما طفلة صغيرة بتعداد النجوم في السماء. فقد تعلمت بهية الحساب بطريقة طريفة، فقد كانت والدتها تجعلها تحتسب درجات السلاليم المؤدية إلى الشقة حيث تقيم الاسرة كلما عادت من المدرسة. كانت الوالدة تتسلى رفقة بهية بلعبة الحساب، وكانت تثني عليها كلما نجحت في احتساب درجات سلاليم العمارة المؤية للشقة.