تنطلق اليوم، الندوة الوطنية للتنظيم، لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي الندوة التي يفترض في حزب المهدي بن بركة أن يجيب فيها عن سؤال جوهري ومصيري: كيف نبني حزبا اشتراكيا تقدميا ديموقراطيا في مغرب القرن 21؟ السؤال أكبر من تحد، إنه السؤال الوجودي الذي يبدو أنه لا يمكن لأي حركة سياسية أن تنتمي للمستقبل، ولا أن تنتمي إلى أفق الإنسانية الذاهب إلى الأمام دون الجواب عنه. ولكنه سؤال أيضا يأتي بنفسه كجواب عن مسار وصيرورة اتحادية مغربية محضة. تأتي الندوة أيضا لالتزام بمقررات المؤتمر الوطني الثامن، الذي كلف القيادة الحالية بمسارين أساسيين، أولهما الدفع بالإصلاحات السياسية إلى ما يعطي لمشاركة الاتحاد في الشأن العام معنى إصلاحيا وفاعلا، وثانيهما السهر على تنظيم الندوة الوطنية للتنظيم من أجل النظر في الإشكالات التنظيمية والقضايا التي ظلت عالقة منذ المؤتمر. لقد كان الشعور السائد هو أن الاتحاد يعيش أزمة نمو، وعليه أن يحول عناصر الاختلاف إلى محفزات نظرية وأخلاقية وعملية لإبداع الجواب الضروري والإرتقاء بوجوده إلى ما بعد الأزمة. وعليه ألا يعود إلى منطق الأزمة التي أصبح سجينها تحت أية ذريعة كانت، إذا ما أراد أن يستعيد وهجه الجماهيري والشعبي. لقد اجتهد الاتحاديون والاتحاديات جماعيا من أجل إيجاد الأجوبة عما يعيشونه، في علاقة جدلية مع ما يعيشه بلدهم وشعبهم. وطرحوا أكثر الأسئلة إيلاما وإقلاقا، ولا يمكن ألا يدرك المغاربة ذلك، ولا يمكن أيضا ألا يقدروا مجهود الاتحاد من أجل أن يجيد الإنصات إليهم ولخدمتهم. خدمة النساء والشباب والمثقفين والقوى الشعبية والحاملة للمشروع الحداثي وتكريس قيمه. لقد كان مشروع الأرضية المقدمة إلى الندوة صريحا، جرىئا ودقيقا في وصف حالتنا، في المغرب وفي الحزب على السواء، ولم يستكن إلى لغة التمجيد الذاتي. أولا كان الهاجس المحرك للأرضية هو النقد الذاتي، كممارسة ليست جديدة على أبناء وبنات الاتحاد، لأنها إرث منذ المهدي والأخطاء الثلاثة القاتلة، ومنذ عمر والنقد الذي صاحب ميلاد التقرير الإيديولوجي، وأيضا في المؤتمرين الأخيرين. وهو سلوك تفرضه القيم النضالية التي أسست لحزب القوات الشعبية كما تفرضه النجاعة العملية في التواصل مع المغاربة. ثانيا، لابد للاتحاديات والاتحاديين أن يستشعروا الضرورات الوطنية والديموقراطية واليسارية لبناء حزب قوي، جماهيري، قادر على التفاعل مع تطلعات أجيال المغاربة ومستقبل المغرب، حزب يستطيع أن يظل الرافعة المجتمعية لقيم الحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا. هذه الضرورات هي التي تجسد اليوم معنى وجود الاتحاد، وسط تموجات مجتمع يتأرجح بين النزوع المحافظ والخروج من دائرة الفعل السياسي. إن القرار الاتحادي اليوم قرار يستحضر ما تغير وما هو ثابت. والثابت هو أن الاتحاد حركة إصلاحية ذات مضمون اجتماعي، ووظيفيا وتاريخيا امتداد للحركة التحررية الشعبية. ولنتذكر جميعا قادتنا وشهداءنا الأبرار شيخ الإسلام بلعربي العلوي والمهدي وعمر وعبد الرحيم. وأننا الحزب الذي صقلت هويته وشدبت من خلال سيرورة كفاحه كحركة تحرير شعبية ضد المستعمر أولا ومن خلال المعارك السياسية والاجتماعية سواء تلك التي خططنا لها أو تلك التي أجبرنا على خوضها في فترات متعاقبة دفاعا عن حق شعبنا في تسيير شؤونه بشكل ديمقراطي وعن حقه في العيش الكريم. علينا أن ندرك كاتحاديين أن المهمة المركزية المنوطة بنا في الظرفية السياسية الراهنة هي إعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل وأن نستحضر قولة القائد الكبير عبد الرحيم: السياسة أخلاق قبل أن تكون شيئا آخر. لقد عانت الحركات التقدمية من مد وجزر، وكان انكماشها في الغالب بسبب نخبويتها أو بسبب انشغالها النرجيسي المتمادي بنفسها وباستراتيجيات الأفراد عوض الاستراتيجيات الجماعية، أو بسبب عجز كبير عن بناء التواصل مع محيطها، والتقاط التحولات في وقتها، أو بسبب انغلاقها على خطايا في وهم المديح الذاتي. الاتحاد اليوم في موعد مع تاريخه، بلا دراما وبلا استخفاف أيضا. بلا تهويل وبلا مبالاة، بلا تفخيم وبلا استصغار لما يجب عليه أن يفعله. الاتحاد مطالب ألا يتحول إلى آلة صماء أو فضاء حزبي للتوازنات على حساب التغلغل الشعبي والامتداد الجماهيري، كما عليه أن يستجيب لمنظور مستقبلي يتوخى الاستقرار التنظيمي والفعالية السياسية والقدرة على تعبئة الطاقات الذاتية عوض الزج بها في أسئلة مبهمة وبلا أفق، كما يحدث للأحزاب اليسارية التي تختار منطق النادي المغلق على منطق الحركة المدركة لرهانات البلاد ومستقبلها. وما من شك في أن الاتحاديات والاتحاديين مدركون لكل التحديات، وسيغلبون، ولا شك، مصلحة بلادهم وحركتهم على منطق ذواتهم.