قامت السلطات المحلية لولاية فاس بمجموعة من عمليات الهدم بداية من منتصف شهر يونيو بالجماعات القروية التابعة لإقليم فاس، حيث استعانت بالجرافات والقوات المساعدة وأعوان السلطة. وخلفت العملية موجة احتجاجات من طرف المتضررين الذين اتهموا السلطات بالاعتداء على الممتلكات، والتسبب في خسائر وأضرار جسدية ومادية فادحة. جريدة الاتحاد الاشتراكي وقفت على الحادث الذي أصبح موضوع الساعة بمدينة فاس والنواحي، واستمعت لرأي الطرفين بغرض رفع اللبس عما يقع بضواحي العاصمة العلمية، خاصة وأن الأمر يتعلق بحملة شاملة! تقوم السلطة المحلية لولاية فاس بحملة واسعة النطاق من أجل محاربة البناء العشوائي وغير المرخص، وذلك بربوع الجماعات القروية الموجودة بأحواز فاس، والتي شملت عددا من الجماعات ضمنها أولاد الطيب و عين بيضة و سيدي احرازم. وانطلقت هذه الحملة في منتصف شهر يونيو عن طريق «تدخلات عنيفة» في حق مجموعة من الفيلات، والمستودعات، ومجموعة من المساكن التي هي في ملكية مواطنين ومسؤولين كرئيس سابق لإحدى الجماعات المحلية، وآخر يسيرجماعة حاليا، ومحام ، ومقاولين، وكذلك في حق أشخاص عاديين، حيث وصفها متتبعون بالحملة العنيفة التي لا تستثني أي شيء، خاصة وأن الأوامر العليا كانت بدورها محددة في هدم جميع الأبنية المخالفة للقانون مهما كانت وضعية أو مناصب أصحابها. وحسب قرار صارم صادر عن ولاية جهة فاس بولمان عمالة فاس، تتوفر الجريدة على نسخة منه، فقد أمر ب«هدم البناء المخالف للقانون ولضوابط البناء والتعميرالمملوك.» و«إعادة الحال إلى ما كانت عليه في أجل ...»، كما نص القرار على «تحمل المخالف جميع الصوائر الناجمة عن تنفيذ هذه العملية في حالة عدم الامتثال لما جاء في القرار.» وذلم استنادا إلى القانون رقم 12-90 والمرسوم رقم 2-92-832 لتطبيق القانون. اتهامات «بالتواطؤ» والتزام الصمت حيال عمليات البناء في نفس الصدد اتهم نور الدين ركاني السلطات في المنطقة بالاعتداء على الممتلكات، باعتباره أحد المتضررين، حيث لم يتم إخباره بقرار الهدم، ولا بأسباب ذلك، مدليا للجريدة بوثائق تؤكد ملكية التعاونية للقطعة الأرضية التي أقيمت عليها الضيعة المهدمة. وأشار المتضرر إلى أنه تقدم لوكيل الملك بشكاية في الموضوع مرفوقة بشواهد طبية لسيدتين تعرضتا للاعتداء من طرف السلطات، حسب تصريح ركاني، تصل مدة العجز فيها إلى 26 يوما، اضافة إلى جرده للخسائر المترتبة عن الهدم والبالغة 300 مليون سنتيم، مؤكدا أن الضيعة كانت تضم اسطبلا للأبقار والأغنام، وموقعا للدجاج البيوض، اضافة إلى مكان تربية النحل، وتربية الأرانب، كما أشار إلى الأضرار التي لحقت جرارين كانا بالضيعة ومحاصيل زراعية تعرضت للتلف. وأورد المتضرر في ملفه، محضر معاينة أنجز من طرف مفوض قضائي لدى المحكمة الابتدائية بفاس تضمن معاينة لخسائر في الأبنية والأغراس والحيوانات والآلات المتواجدة بالضيعة التي تبعد عن مدينة فاس بحوالي 24 كلم بطريق صفرو. وفي شكايات توصلت بها الجريدة من طرف عدد من المتضررين، فقد اعتبروا هذا الهدم غير قانوني، حيث أن ضررا كبيرا أصاب أملاكهم وأموالهم، والنماذج عديدة. وقد اعتبر بعض المتضررين أن المدة الزمنية لعملية البناء فاقت في معظمها 3 أشهر، وذلك أمام أعين السلطة والعمالة، علما بأن الأمر لم يكن خفيا، لأنه تطلب شاحنات ومواد بناء وفتح أوراش، حيث تساءلوا بهذا الخصوص «لماذا لم تتدخل السلطة في الوقت المناسب؟» وأشار بعض المتضررين إلى أن العمليات كانت تتم بدفع إتاوات لبعض الجهات المسؤولة، بلغت في بعض الأحيان أزيد من 120 ألف درهم، وهو ما يفسر، حسب بعض المشتكين، التواطؤ والتزام الصمت حيال عمليات البناء التي تمت بالمنطقة! عملية البناء العشوائي تزدهر في فترة الانتخابات وارتباطا بنفس السياق فقد كان للجريدة اتصال بأحد المسؤولين من الولاية الذي عبر عن استغرابه لاحتجاج أصحاب هذه المباني ، التي وصفها ب«غير المرخصة والعشوائية والتي لا تخضع لأي مقياس قانوني». مضيفا «أن عملية الهدم متعارف عليها في قوانين التعمير منذ زمن بعيد إلا أنها كانت قليلة جدا خاصة بالأحواز حيث أن البناء العشوائي لم يكن بالطريقة التي هي عليها اليوم للأسف الشديد، وذلك في ظل المضاربة العقارية والانجذاب القوي إلى هذه الأحواز، خاصة جماعة أولاد الطيب التي تتواجد في مفترق طريق إيموزار ومطار فاس سايس، مشيرا إلى أن أغلبية الأسر الميسورة والمقاولين تطمح إلى خلق سكن سياحي أو إضافي ومستودعات، إلا أنها لا تحترم معايير التعمير، حسب نفس المسؤول، مما يجعله بشكل أو بآخر يشكل خطرا على جمالية المنطقة، ولا تترك للمسؤولين فرصة خلق تصور أو فكرة واضحة لتنظيم وهيكلة هذه الجماعات، وبالتالي تساهم بدرجة كبيرة في ضبابية التصور العمراني المستقبلي للمنطقة. وهو الأمر الذي يصعب عملية إعادة الهيكلة أو التجهيز»، مشيرا في نفس الوقت إلى مساهمة الأبنية غير القانونية في الرفع من أخطار الانهيارات التي تعيشها بين الفينة والأخرى، سواء ولاية فاس أو المدن المغربية الأخرى. كما أبرز المتحدث أن بعض من طالهم الهدم، أصبحوا ضحية بعض تجار الانتخابات والسماسرة والمضاربين، خاصة أن عملية البناء العشوائي تزدهر في فترة الانتخابات. وفي نفس الصدد، أكد ذات المسؤول أنه تم عزل العديد من أعوان السلطة بسبب تورطهم إما بالتواطؤ، أو بعملية التزام الصمت مع المنتخبين، حيث تم عزل ثلاثة منهم، وإنذار شخص واحد، وترتيب آخر. ثم أفاد بأن عملية الهدم تدخل ضمن اختصاصات السلطة المحلية التي تتوفر على قرارات الهدم، وعليها تنفيذها تطبيقا للقانون. و يكون «التدخل المباشر لرجل السلطة أثناء بداية الورش، ويتم الهدم كما شيد، في طريقة الردع الأولى». لكن الطريقة الثانية تتم من خلال «مسطرة قانونية من خلال محضر معاينة. ثم إصدار الأمر الفوري ثم شكاية للسيد وكيل الملك وتتوج هذه المساطر بإصدار قرار للهدم للبناء المخالف للقوانين وضوابط البناء والتعمير وسيكون في أغلب الأحيان موقعا من طرف أعلى سلطة بالعمالة أو الولاية.» مواجهات أثناء الهدم وأفاد مهتمون بالموضوع بأنه أثناء عملية الهدم، تتخذ كافة الاحتياطات حتى لا تكون هناك خسائر في الأثاث والأجساد ويتم تسجيل العملية منذ بدايتها حتى نهايتها بجهاز الفيديو حتى تكون هناك وثيقة سمعية بصرية لمواجهة المشتكي بالقرينة والحجة. وقد بلغت عمليات الهدم في 3 سنوات الماضية لحدود بداية الأسبوع الجاري بجماعة عين بيضة و جماعة سيدي احرازم، 123حالة. في حين وصلت بجماعة اولاد الطيب 252 حالة هدم لأبنية عشوائية. وارتباطا بتصريحات المسؤولين حول طريقة الهدم والاحتياطات المتخذة، فقد توصلت الجريدة بشكايات من متضررين طالهم قرار الهدم، تفيد بأنهم لم يتلقوا أية إنذارات، وحتى حين قررت السلطات هدم تلك البنايات، لم تخطرهم بذلك، بل اتهمهم بعض المتضررين بتحين الفرص في غياب أصحاب المحلات، والاعتداء على الأشخاص المتواجدين هناك، كما هو الشأن بالنسبة لصاحب تعاونية مبروكة بجماعة عين بيضة، الذي أوضح بأن سيدتين تعرضتا للضرب ومحاصيل زراعية تعرضت للتلف، وحيوانات بعضها جنح وبعضها افتقد أثره. وعلاقة بسلسلة عمليات الهدم، فقد علمت الجريدة من مصادر موثوقة، بأنها ستتواصل خلال الأسابيع المقبلة بكل هذه الجماعات الثلاث وذلك تحقيقا للقانون بتنفيذ قرارات الهدم. وأضافت ذات المصادر بأن هذه العمليات تعرف في كثير من الأحيان اصطدامات مع أصحاب هذه المساكن والفيلات والمستودعات غير المرحلين، حيث أشار المتحدث إلى أنه قد أصيب ثلاثة أفراد من الحراس الترابي نقلوا إلى المستشفى الجامعي. وتعرض خليفة لمحاولة الدهس بواسطة جرار «تراكتور» وهناك شكايات في الموضوع لدى وكيل الملك في نفس السياق. ماذا بعد.. القانون فوق الجميع؟ وأمام لعبة شد الحبل بين السلطات التي تريد تطبيق القوانين الصادرة لهدم الأبنية العشوائية، وبين اتهامات المواطنين المتضررين من عمليات الهدم، فهل ستتدخل جهات أو لجنة للتحقيق في الأمر الذي يبدو أنه خلق رجة كبرى بالمنطقة، وأعاد إلى الأذهان مجموعة من الأحداث كانت قد شهدتها مدينة الدارالبيضاء سابقا، لكن داخل المدار الحضري، وهو الأمر الذي دفع بعض المتضررين إلى اللجوء إلى المحاكم ورفع دعاوى قضائية ضد السلطات بالمنطقة متهمين بعض رجالها بأخذ إتاوات أثناء عمليات البناء، تجاوز بعضها 120 ألف درهم، نظير التزام الصمت، وإعفاء من المساءلة القانونية، الشيء الذي رفع أصوات الاحتجاجات لدى السلطات العليا بمحاسبة المسؤولين الذين ساعدوا على قيام هذه الأبنية العشوائية مادام الأمر يتعلق بتطبيق القانون، لأن القانون وضع ليطبق على الجميع. السلطات تقول بأنها اتخذت كافة احتياطاتها لمجابهة المتضررين، والمتضررون يتهمونها بعدم إبلاغهم بقرارات الهدم، فهل سيكون هناك تحقيق نزيه في الموضوع ليزيل اللبس عن الموضوع؟