كان يجلس كعادته، على امتداد السنوات الثلاث والعشرين التي قضاها في السجن، داخل زنزانته المنفردة، عندما بلغه خبر طالما انتظره: عقوبة الإعدام سيتم تحوليها إلى عقوبة السجن مدى الحياة... هذه قصة روجر ماك غوين، الذي ظل متشبثا بالأمل في الحياة رغم إصرار محاكم تكساس على تنفيذ عقوبة الإعدام في حقه. كان واضحا أن ماك غوين فقد بضع كيلوغرامات على ما كان عليه خلال آخر مرة زرناه فيها منتصف شهر فبراير في قاعة الزيارة بجناح الإعدام. لم يكن في حالة جيدة، والأسوأ من ذلك حالته المعنوية المتدهورة. ومع ذلك، أخبره محاميه مؤخرا بأنه من المؤكد سينجو من عقوبة الإعدام، مع صدور قرار من محكمة الاستئناف الفيدرالية بهذا الشأن. وقد يحصل ماك غوين على عقوبة مخففة، وربما تمتيعه بسراح مؤقت. لكن ما الذي يحول دون تحقق واحد من تلك الاحتمالات؟ لقد أصيب بمرض ينخر عظامه، مرض كشف عنه طبيب السجن، لكن لم يتم بعد علاجه. يسبب له الألم ويمنعه من ممارسة تمارينه الرياضية المعتادة، بل ويخلق له متاعب على مستوى جهازه الهضمي. يتأسف ماك غوين لموعد زيارته لمستشفى نزلاء السجن، الذي يطاله التأجيل كل مرة. يرسم ابتسامة شاحبة على شفتيه قبل أن يقول: أتمنى أن يتماسك جسدي لما يكفي من الوقت»، وهنا يقصد الوقت الذي لا يزال أمامه قبل تمتيعه بحريته. إذن فهو لا يزال مؤمنا بإمكانية الإفراج عنه. لكن لماذا حماسته لا تعبر عن أهمية هذا الأمل؟ يخفض عينيه ويقول بصوت مرتجف: «أنا لست مستعدا. لكنني أتطلع دوما للخروج، أن أصبح حرا. ما يشغل بالي الآن هو ما يمكن أن يحدث قبل وصول لحظة الإفراج عني. علي أن أغادر ممر الموت هذا الذي قضيت فيه ثلاثة وعشرين عاما في ما يشبه العزلة التامة. أخشى أن يتم نقلي إلى سجن آخر، أخاف من الآخرين، أخاف أن أفقد حميميتي، أخاف أن أذهب إلى الحمام وأستحم أمام عشرين من السجناء الآخرين». يحكي ما غوين بعض النكت لتلطيف الأجواء، سيكون بإمكانه مشاهدة التلفاز مجددا، وهو الأمر الذي كان محروما منه في جناح الإعدام قبل عشر سنوات. هذا الأمر أعاد إلى ذهنه إحدى الذكريات: «آخر مرة شاهدت فيها التلفاز كنت حينها في سجن ‹هانتسفيل›، وكان ذلك هو يوم إعدام ‹أوديل بارنز›، وبالضبط يوم فاتح مارس سنة 2000. لقد مات كما مات العديد من الأصدقاء، وسيموت آخرون، ولن أكون لأبكي من أجلهم». مما لا شك فيه أن روجر ماك غوين سينجو من عقوبة الإعدام، لكن في هذا اليوم الذي التقيناه فيه بسجن ليفينغستون (26 ماي)، كان كلامه حول الموت. فمنذ سجنه سنة 1987، بعد محاكمة مأسوف عليها، إذ لم يتمكن من إيفاء المحكمة بأي دليل لتبرئته، ظل ماك غوين، البالغ من العمر 47 سنة، يتهيأ لمواجهة عقوبة الإعدام حقنا بمواد قاتلة. ومع ذلك، فقد ظل ملفه يفتح مرات عدة. ومنذ عشر سنوات، عملت اللجنة الأوربية المساندة له بمنحه أملا جديدا من أجل إخراجه من تلك الدوامة. لكن هناك عائق واحد، فالمحاكم بولاية تكساس لا تتراجع إلا نادرا عن أحكامها كيفما كانت الناصر الجديدة التي تنضاف إلى القضية. فإذا لم يتم طرح تلك الوقائع في بداية المحاكمة، فلن يتم اعتماده في ما بعد. ولحسن الحظ أن المحاكم الفدرالية أقل تشددا من محاكم الولايات. فبتاريخ 25 مارس، أصدرت محكمة الاستئناف الفيدرالية بالجنوب قرارا بناءا على ملتمس تم إيداعه شهر يوليوز 2009 من طرف هيئة الدفاع. وبالتالي، فإن ماك غوين «لن يتعرض لعقوبة الإعدام»، غير أن قاضية المحكمة لم تقل شيئا بخصوص إدانة ماك غوين. ولا يزال ثمة حكم استئنافي آخر في طور الإنجاز للبث في هذه النقطة، إذ يبدو أن تلك القاضية لم تكن لديها فكرة عن البدائل الممكنة لعقوبة الإعدام. ومع ذلك، فقد كانت مشددة على أنه بالنظر إلى ما تم تسجيله في ماضي ماك غوين، فقد كان من المفترض أن يستفيد من ظروف التخفيف وبالتالي عدم إصدار عقوبة الإعدام في حقه. استعاد ماك غوين جأشه وهو يعلق على قرار القاضية جوليا هارموند، المعروف عنها عدم تساهلها في أحكامها: «مع توني [أنتوني هوغتون، محاميه]، لم نكن نتوقع كثيرا من جهتها، لكن ها نحن نرى كيف أنها تأثرت بالماضي الخاص بي». لم تكد ابتسامته ترتسم على شفتيه حتى توارت مجددا وهو يتذكر طفولته الغريبة: «أختي، تعرضت للاغتصاب وهي طفلة على يد إحدى العصابات، عمتي، قتلت أمام عيني وأنا لا أزال طفلا، الفقر كان يخنقني في غيتوهات السود بمنطقة هوستون...» أبناء العم الذين ماتوا، أفراد الأسرة الذين قضوا في بعض الحوادث، «غير أنه لا يد لأحد في ذلك، إنها لا تعدو أن تكون جزءا من مشاكل الحياة التي تحدث لأننا كنا هناك في وقت غير مناسب». هذا أمر أكيد، لكن الانتماء الاجتماعي يلعب دورا كبيرا في سوء الحظ هذا. أليس كذلك؟ «هذا صحيح، ولا بد أن هذا هو ما فكرت فيه القاضية هارموند وهي تمتعني بظروف التخفيف». بعد هذا القرار الذي اتخذته المحكمة الفدرالية، هناك ستة أشهر أمام المدعي العام بتكساس من أجل استئناف قرار المحكمة. وخلال لقائنا مع ماك غوين، كان نتحدث في إطار التوقعات والاحتمالات. المحامي يقول إن ثمة فرصة كبيرة ليستفيد موكله من تخفيف الحكم، والحصول على حكم مدى الحياة، وفي سنة 1987، كان السجن مدى الحياة يعادل قضاء خمسة وعشرين عاما في السجن. بإمكان المدعي العام أن يطالب بإعادة المحاكمة مرة أخرى، ليس من حيث الموضوع، بل من حيث الحكم الصادر، وبالتالي فبإمكان الدولة أن تطالب مجددا بإصدار عقوبة الإعدام... غير أن هذا الأمر يظل بعيد التحقق بعد تمتيع ماك غوين بظروف التخفيف. لذلك، فإن هذا المعتقل ينتظر أن يتم تنقيله كيفما كان الحال، سواء إلى إلى سجن آخر هاص بالعقوبات الطويلة الأمد، أو إلى مركز اعتقال في انتظار إخضاعه لمحاكمة جديدة. لكن في اليوم التالي لمحادثتنا معه، أي في السابع والعشرين من ماي، تم إخبار المحامي أنتوني هوغتون بأن المدعي العام قام للتو باستئناف قرار القاضية هارموند. لقد فاجأه ذلك، لكن ليس كثيرا: «ها أنتم ترون تحمس تكساس لإعدام أكبر عدد ممكن من الأشخاص». وفي انتظار استكمال إجراءات الاستئناف، سيظل ماك غوين لبضعة أشهر أخرى في الممر الموت. يقول المحامي: «لكي يكون من حق ماك غوين الاستفادة من محاكمة جديدة تعيد النظر في الموضوع، يتعين عليه انتظار خسارة الدولة لطلب الاستئناف بمحكمة الاستئناف. في البداية، سيكون ربما علينا الانتظار إلى أعياد رأس السنة من أجل الشروع في إعادة المحاكمة، وفي انتظار ذلك، لن يتم نقل موكلي إلى أي مكان آخر». إن رفض المحامي تقديم إجابات واضحة إنما يؤشر على أنه ليس من المؤكد أن ماك غوين قد نجا فعلا من عقوبة الإعدام، بل ومن المحتمل جدا أن يقضي عقوبة السجن مدى الحياة: «إن انتصار مر، لأنني سأترك عالما بأكمله خلفي». بالتأكيد سيفقد العديد من الرفاق، لكن أليس متجها نحو تكوين رفقاء جدد. «لا أعرف كيف سيستقبلني ‹السجناء العاديون›. يقال إنهم لا يحبون السجناء الذين كانوا في ممر الموت، إذ يتهمونهم بارتكاب جرائم زادت من قساوة العيش بالنسبة لهم». إنه على علم بما وقع لسجين سابق كان مدانا بعقوبة الإعدام، وبعد عدة سنوات من العزلة، تم نقله إلى سجن عام، «لينتهي به الأمر بوضعه بعيدا عن البقية لأن الأمر كان صعبا بالنسبة له». ويتحدث أيضا عن الثلاثة الذين تم الإفراج عنهم من ممر الموت، ليتم شهرا واحدا بعد الإفراج عنهم قتلهم داخل السيارة. لكن، كيف عرف كل ذلك؟ يقول ماك غوين: «إن الأخبار تتداول بين الناس، والزوار يتحدثون عن ذلك، كما أن الرسائل بدورها تنقل الأخبار». الواضح أن ماك غوين ليس سعيدا، رغم كل الجهود التي بذلها ليبدو متماسكا، ورغم إيمانه بالله وثقته في طيبوبة البشر. ملامحه توحي بسعادته وهو يتطلع إلى الزيارات التي سيتفيد منها عند نقله إلى سجن عادي، حين سيجلس وزائره حول مائدة واحدة، بدلا من هذا القفص الزجاجي ، يكون بإمكانه لمس الآخرين، وهو ما لم يفعله منذ ثلاثة وعشرين عاما. إنه في حاجة شديدة إلى الاتصال بالآخرين واستنشاق رائحتهم. لكن من سيأتي لزيارته؟ باستثناء أصدقائه الأوربيين والأمريكيين من لجنة الدعم؟ باستثناء أسرته؟ يبدو حائرا في الإجابة قبل أن يقول: «لم يعد ثمة اتصال بيننا، شقيقتي ميتشل كان تأتي، وانتهى الأمر. لكن هناك دوايت، الذي يكاد يكون شقيقي. لم أره منذ وقت طويل. المحامي هو الذي يأتيني بأخباره، يقول إنه يواجه مشاكل مع سيارته وسيأتي لزيارتي». أربع وعشرون ساعة بعد ذلك، وفي حي ‹ألدين› شمال هوستون، كان لنا موعد مع دوايت. كان يبتسم ملء شدقيه حتى تبرز أسنانه الذهبية، يرتدي قميصا أحمر اللون يحمل شارة السوق الممتاز الذي يشتغل به منذ وقت غير بعيد: «إنه عمل جيد، وأنا لا أزال عاملا مؤقتا منذ سنة 2006، علي أن أشتغل بجد لأحافظ على هذا العمل». يضحك كثيرا، تماما مثل ماك غوين عندما لا يشعر بالحزن. كيف أحوال زوجتك ميتشل، شقيقة ماك غوي؟ «لم نعد نعيش معا، لقد تخلت عني، لكن ابنتنا ستنجب مولودا عما قريب. أنا جد، لأن ابني من زوجتي السابقة رزق بمولود ذكر. لقد خطبت سيدة أخرى وهي لطيفة جدا». وماذا عن بقية أفراد الأسرة؟ «هناك ابن العم «ك.ك» الذي يقطن بالجوار، وبسبب دخل ماط غوين السجن. لن أخبره بما سيسفر عنه حكم الاستئناف...» يشعر دوايت بالسعادة للتطورات التي عرفتها القضية: «سيخضع لمحاكمة جديدة، وسيحصل على سراح مؤقت، وسنهتم جيدا به». كان يتحدث عن الأمر بكل بساطة. حياته الخاصة جد معقدة، لكنه يجدها مع ذلك عادية، ونفس الطريقة ينظر بها إلى حياة ماك غوين، فحوادث الحياة بالنسبة لكليهما مرتبطة بالقدر. سيزور دوايت في القريب شقيقة زوجته السابقة في السجن. سيارته مصابة بأعطاب كثيرة ولن توصله إلى ليفينغستون حيث يوجد السجن. لكن المحامي توني هوغتون وعده بمرافقته حين يزوره في المرة القادمة. عن «ليبراسيون» الفرنسية