كرة القدم المتنفس الأول لمعظم شعوب العالم. أصبحت أقرب الى المخدر للمشاكل التي تعانيها تلك الشعوب. ومما لاشك فيه أن كثيرا من الأنظمة الاستبدادية تستخدمها في عملية الإلهاء عن تجاوزاتها. كرة القدم أيضا الوجه الآخر للعملية السياسية. الفيفا إله الكرة على الكوكب يحارب تدخلات السير على الكوكب يحارب تدخلات السياسة في الملاعب. ولكن كيف يمكن السيطرة على مشجعين ولاعبين يواجهون من كانوا بالأمس محتلين لبلادهم، أو بلاد جيرانهم في القارة، أو شركائهم في العرق والدين واللغة؟! كيف يمكن السيطرة على صراع الألوان.الأسود ضد الأبيض؟! من لحق بهم ضيم العنصرية لقرون في مواجهة من لا يسعون حتى لمداراة الاحتقار من عيونهم؟! هكذا تتحول الكرة الى أداة لمواجهة العدو، وإطلاق الثورات وشحنها. كتاب سايمون كوبر الصادر بالتعاون بين دارا «الانتشار العربي» و «كلمة» ، تأليف: سايمون كوبر ،ترجمة :راشد الجيوسي، يذخر بعشرات القصص عن المواجهات الكروية السياسية. الآن تجرى فعاليات كأس العالم في افريقيا، ومن المؤكد أن النظرة الى إفريقيا تحسنت، ولكن كثيراً من المتابعين يرون أن افريقيا ومعها آسيا سبب في ضعف البطولة. العدل الإلهي لا يمكن أن يتحقق في كرة القدم، لا يمكن المساواة بين الجميع، ورغم اعتراف الغرب بالتقدم الملموس في الكرة الافريقية إلا أنهم لايزالون حتى الآن يرون حصول القارة السوداء على ستة مقاعد في المونديال أمر مبالغ فيه. اليوم لا يشبه البارحة، ولكن البارحة لاتزال حاضرة في الأذهان، الجميع يحاول أن يتناسى غير أن الأمور تفلت أحيانا عن السيطرة، مشجعون غربيون يقلدون صوت القردة في المدرجات ليضايقوا لاعبا أسود، لاعب أبيض ينعت آخر أسود ب «الزنجي». لقد ظل اللاعبون الأفارقة يعانون لفترات طويلة من النظرة الدونية إليهم في الغرب، كثيرون منهم كانوا يوقعون على عقود احتراف وتكون أمامهم مشكلة من نوع غريب، أن إدارات الأندية المتعاقدين معها لا تجد لهم شققاً، لأن الملاك يرفضون التأجير للسود، حتى على مستوى اللعبة نفسها كان الغربيون ينظرون بشكل متعال الى كل ما هو إفريقي. يقول ألوى آغو حارس نيجيريا الذي لعب لفريق لياج البلجيكي: «لاتزال هناك فكرة في أوربا، أن الافريقيين لا يستطيعون عمل أي شيء أفضل من البيض، لا تنظر الى الألوان، ولكن انظر الى ما يمكننا إنجازه، أسود، أبيض، أصفر، إننا جميعاً سواء. حتى وإن كنت أسود، تبدو بمظهر جيد، وتركب سيارة جيدة، فإنهم يريدون الاطلاع على أوراقك». يقول كوبر: «في عام 1974 أصبحت زائير أول فريق إفريقي أسود يتأهل لكأس العالم، وأداء لاعبي زائير في ألمانياالغربية يعتبر الأسوأ من أي فريق افريقيا في كأس العالم حتى الآن... وقد بدا أن فريق زائير يرقى لمستوى الأنماط الأوربية الفجّة. نشر الصحفيون قصصاً عن أن اللاعبين اصطحبوا معهم قردة ليأكلوها خلال المباريات، وأنهم كانوا ذوي قبضة تكتيكية متوحشة، وخسرت زائير 0/2 لمصلحة اسكتلندا، و 0/9 لمصلحة يوغسلافيا، و 0/3 لمصلحة البرازيل». الواقعة الغريبة في مباراة يوغسلافيا هي قيام الحكم بطرد اللاعب الزائيري نداي مع أن مُرتكب الخطأ هو إلونجا مويبو، وقال نداي: «يمكنك أن تستنتج من تصرّف الحكم أنهم غير قادرين على تمييزنا، كما أنهم لا يحاولون ذلك، لقد بكيت بشدة عندما طُردت، وأخبرت الحكم أنني لست من فعل ذلك، وقد قال مويبو أنا من فعل ذلك، ولكن الحكم لم يهتم. جميع الحكام هنا ضد العرق الأسود، وليس الحكام فقط.. فقد صرخ الإسكوتلندي رقم 4 بي أثناء المباراة عدة مرات قائلا «يا زنجي، أيها الزنجي!» وقد بصق عليّ أيضاً وبصق في وجه مانا، الإسكوتلندي رقم 4 كان حيواناً بريا»! فيدنيك مدرب زائير كان يوغسلافياً، وطلبت منه الصحافة أن يبرر سبب استبداله لحارس المرمى كازادي. ساعد هذا الاستبدال على إطلاق الشائعات بأنه كان عميلا يوغسلافيا، وتأكدت الشائعات عندما رفض فيدنيك مناقشة قراره خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد المباراة، واكتفى بقوله، إنه سيُفسّر كل ما حدث في اليوم التالي، والتزم بوعده: «السيد لوكوا، ممثل وزارة الرياضة، قال بعد الهدف الثالث ليوغسلافيا: أخرجوا حارس المرمى ذاك، وقمت بذلك». تحدث المؤلف طويلا عن إيمان الأفارقة بالسحر، وبتأثير الفقر والمجاعات والتمييز العنصري والحروب، ويذكر للتدليل على كلامه واقعة طريفة خاصة بكأس العالم 94، كانت المباراة الأولى لإثيوبيا في مجموعتها مع المغرب وسافروا الى هناك عبر روما حيث طلب أفضل خمسة لاعبين معه حق اللجوء السياسي، وهكذا بقي فريق بثمانية لاعبين قبل المباراة، واشترك حارس المرمى الاحتياطي، ومساعد المدير وأحد الأصدقاء في اللعب، وخلال الاستراحة بين الشوطين، خرج إثنان من المشتركين أصابهما الإرهاق، وفي بداية الشوط الثاني، استسلم ثلاثة آخرون تاركين ستة فقط يواجهون الخصم، وأوقف الحكم المباراة ولم تتأهل إثيوبيا! يقول كوبر، إنه من الصعب تفهّم ما الذي يعنيه لدولة إفريقية الانسحاب من كأس العالم، فكرة القدم هي الفرصة الوحيدة التي تستطيع من خلالها إفريقيا هزيمة العالم: «المرة الوحيدة التي قدمت فيها زامبيا عناوين دولية كانت عندما غلب فريق كرة القدم لديها ايطاليا 0/4 في أولمبياد سيول، وقامت إحدى الصحف الإيطالية بعد المباراة بنشر خريطة إفريقيا لتُظهر لقرّائها موقع زامبيا عليها. «قبل المباراة كان اللاعبون الإيطاليون يمرون من أمامنا، لكن بعد ذلك، جاءوا إلى الفندق الذي كنا نقيم فيه، وطلبوا منا توقيعاتنا» قال ذلك كالوشا بواليا الذي ضرب ثلاث ضربات في المباراة».
محمد أبو تريكة بطلا عربيا تحوّل محمد أبو تريكة إلى بطل عربي في مباراة جمعت بين المنتخبين المصري والسوداني في كأس أمم إفريقيا 2008، فحينما أحرز هدفاً جرى باتجاه الكاميرات ورفع قميصه ليظهر آخر أسفله وعليه عبارة «تعاطفاً مع غزة». أخرج له الحكم الكارت الأصفر الذي ستصفه الصحافة العربية في صدر صفحاتها الأولى السياسية غالباً ب «الإنذار الأكثر شرفاً»! أبو تريكة كان يحرّكه حدث آني، الحصار المأساوي لغزة، ولكن لاعبون كثيرون في العالم تبدو تصرفاتهم ردود أفعال لتاريخ يتم تدريسه في الكتب. انفعالهم لم يكن طبيعياً. هل تتذكرون المباراة الشهيرة بين هولنداوألمانيا في كأس الأمم الأوربية 88؟ لقد تحوّلت المباراة في شوطها الثاني الى ما يشبه المعركة الحربية، بعد يومين من المباراة، واجه صحافي ألماني رونالد كويمان بتصريح له يتضمن الكراهية للشعب الألماني.. وردّ كويمان: «لم يسبق أن قلت ذلك». مجلة فريج نيدرلاند تحدثت إلى لاعب الهجوم فان إيرل: «في المباراة قمت بشد شعر المصاب فولر؟ فرد قائلا: هل قمت بشد شعره؟ لا أذكر ذلك. لقد ربت على شعره، لكن لم أشد شعره. وكرر المحرر سؤاله: لا؟ فأجاب: لا، ربت على رأسه فغضب، ولا أعلم لم غضب أساساً، لقد تصرف بشكل غريب، نهض فجأة ولحقني، وعندما أوقفه رونالد سقط مرة أخرى و بدأ يتلوّى على الأرض، وقد تعجبت من هذا السلوك الغريب» (هولندا كانت تحت الاحتلال الألماني لمدة خمس سنوات): «بدأ ذلك في إحدى ليالي صيف 88 عندما هزم الهولنديون الألمان 1/2 في مباراة الدور قبل النهائي للبطولة الأوربية. ففي هولندا.. فاجأت هذه الأمة الرزينة نفسها بخروج تسعة ملايين هولندي، أي 60% من الشعب، إلى الشوارع للاحتفال، وكانت ليلة الثلاثاء أكبر تجمع جماهيري منذ التحرير. وقال رجل مقاومة سابق في التلفاز: لقد بدا وكأننا فزنا في الحرب أخيراً، وتلقى غير بلوك، هولندي يبلغ من العمر 58 عاماً الخبر في تيجوسكالبا... وأخذ يجوب الشوارع راكضاً وهو يحمل علم هولندا، وقال (سعادة هيستيرية جامحة) واعترف في اليوم التالي: لقد خجلت من تصرفي المضحك»! ولكن كثيرون لم يعترفوا مثلما اعترف هذا الرجل وتعاملوا كما لو أنهم انتصروا في معركة، ومن المدهش أن يصدر كتاب يضم قصائد لشعراء هولنديين محترفين وأخرى للاعبي للمنتخب الهولندي لتمجيد الفوز، واللاعبين الهولنديين، وإظهار الألمان في الجانب الأدنى. إيريك فان كتب في قصيدة: «انظري عزيزتي إلى التلفاز/ برتقال خولييت أبيض/ أبيض/ ماتيوس أسود». يعلّق المؤلف: «كأن اللاعبين الألمان هم الشرّ، والهولنديين هم الخير».
في كأس العالم 98 حدث الصدام بين إيران وأمريكا. الصحف العالمية صوّرت الأمر على أنه صدام بين أعداء، وقد حذرت الصحف الإيرانية المتشددة اللاعبين الإيرانيين من مصافحة ممثلي الشيطان الأكبر: «في الحقيقة أثناء المباراة لم يكن الصراع السياسي بين الأمريكان والإيرانيين، بل كان بين الإيرانيين والإيرانيين. معظم المتفرجين في الملعب بدوا أنهم إيرانيون في المنفى، وارتدى جميعهم فانلات تحمل صورة لوجه قائد مجاهدي خلق الإيرانية، وهي جماعة معارضة مقرها العراق آنذاك، وكلما وصلت الكرة الى المنصة، يقف الجمهور ويمسك بالقمصان لتنقلها الكاميرات للعالم، ولكن المشكلة الوحيدة هي أن الكاميرات لم تصورهم، لقد كنت جالساً في المنصة وأمامي جهاز تلفاز، ولاحظت أنه كلما خرجت الكرة من الملعب، كان يتم تعتيم محيط الملعب... ولذا لم تصل تظاهرات مجاهدي خلق الإيرانيين إلى مئات الملايين الذين يشاهدون شاشات التلفاز»! وكما أن السياسيين يستخدمون الكرة في محاولة جذب الانتباه، فإن الإرهابيين يستخدمونها في تحقيق أهدافهم: «بالنسبة إلى الإرهابيين في المنطقة تبدو هذه اللعبة وسيلة التسلية الكاملة، الذكورية حسب التقاليد، وإن كانت ليست وقفاً على الذكور، والتي يبلغ تأييدها حد العالمية، وغالباً ما كانت على شكل منافسة بين القبائل المتناحرة. الزعماء الديكتاتوريون... يستخدمون لعبة كرة القدم لنيل الاحترام والنفوذ». يشير المؤلف أن الكرة تغري الإرهابيين بسبب انتشارها العالمي، فالإرهاب شكل من أشكال العلاقات العامة، والهدف منه هو نشر أكبر قدر من الخوف بأقل جهد ولتحقيق ذلك، يبحثون عن الأحداث الرياضية مثل محاولة الهجوم على مباراة انجلتراتونس 98: «لقد قام بن لادن بتمويل الخطة وتنظيمها عندما عُرضت عليه، ووافق على تمويل اضافي وأسلحة، علاوة على قيام الجزائريين (المشاركين في العملية) بإرسال أعضاء فاعلين للتدريب في معسكرات القاعدة». وكرد فعل على فشل المهمة، قامت القاعدة بتفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا. ارتباط بن لادن بالكرة قديم ومعروف، ففي أوائل عام 94 أمضى أسامة بن لادن ثلاثة أشهر في لندن، حيث زار مؤيدين له، ورجال بنوك، ثم ذهب لمشاهدة فريق أرسنال أربع مرات .«لقد أحب بن لادن كرة القدم معظم حياته، وفي الحقيقة، إنها اللعبة التي جذبته نحو الأصولية: كمراهق في مدينة جدة السعودية، كان بن لادن واحداً من مجموعة أولاد أقنعهم مدرس تربية رياضية سوري بالبقاء في المدرسة بعد الظهر بعد انقضاء اليوم الدراسي وعدهم بممارسة كرة القدم، عندئذ قام المدرس السوري بتعليمهم أحد المذاهب المتشددة في الاسلام». بعد انتشار صيت بن لادن قام مشجعو الأرسنال بتأليف أنشودة جديدة: «إنه مختبىء بالقرب من كابول/ إنه يحب الأرسنال/ أسامة/ أوه أوه....« وفي دجنبر 2001 نشرت وزارة الدفاع الأمريكية شريط فيديو له وهو يستغرق في ذكريات هجوم 11 شتنبر، حيث يتأمل بن لادن في الشريط وأحد أتباعه يقول له قبل سنة: «لقد حلمت أننا نلعب مباراة كرة قدم في مواجهة الأمريكان، وعندما ظهر فريقنا في الملعب كانوا طيّارين». يعلق كوبر في ختام الكتاب: «في الحلم انتصر طيارو القاعدة في اللعبة، وفي الشريط نفسه يتذكر أحد أفراد تنظيم القاعدة، أنه كان يشاهد برنامجاً تلفزيونياً عن الهجوم على مركز التجارة العالمي: (المشهد كان يعرض أفراد عائلة مصرية جالسين في غرفة الجلوس، وقد غمرهم الفرح تماماً، تماماً كما أنك تشاهد مباراة كرة قدم ويفوز فريقك) لقد كان تعبيرهم بالبهجة والفرح، فقد التقت وجهة نظر الإرهابي مع وجهة نظر مشجع كرة القدم. هذه هي كرة القدم في مواجهة العدو»! الكتاب:الكرة ضد العدو المؤلف:سايمون كوبر ترجمة:راشد الجيوسي الناشر:دارا الانتشار العربي و«كلمة»