الأخلاق الفضفاضة تتعايش جيدا مع الجهل المزمن. ومشاركة الكاتب السويدي هينينغ مانكل 62 سنة في قافلة الحرية إلى غزة لن تفاجئ سوى الذين لم يستوعبوا ما يحركه: التناغم بين الافكار، الكتب، والافعال، في كفاحه ضد ما يعتبره ظلما لا يحتمل. مانكل يفيض انسانية، منسجم وحازم. انسجامه يعبر عن نفسه في تنديده بالوحشية الليبرالية والخراب الفكري الذي تنتجه. «أي عالم سنترك لأبنائنا ؟» سؤال يتردد كثيرا في كتاباته. يكفي أن تقرأ روايته البوليسية «المرأة الخامسة» الذي يبدأ بمجزرة في الجزائر أو «دماغ كينيدي» الذي يحكي الاستعمال الاجرامي لمرضى السيدا في الموزمبيق للوقوف على رفضه القوي للعنف الارهابي، ولا أخلاقية منطق الربح بأي ثمن. يستعمل هذا الإحساس لبناء رواياته التي طبعت 15 سنة الاخيرة :بطل رواياته النقيض مهووس ومريض بالسكري، إنه المفتش السويدي كورت فالندر الذي أصبح الشخصية النموذج يعبر من خلاله عن قلق مجتمع بدأت تنسحب منه قيم التضامن والعدل. مانكل ليس كاتبا توافقيا كما يعتقد، والرواية هي سلاحه ونشاطه الاساسي. يريد أن يغري جمهوره ويسليه ليجعله حساسا نحو افكاره. منذ 1985 يعيش مانكل نصف السنة في السويد ونصفها الاخر في الموزمبيق، حيث يقود مسرحا يموله بفضل نجاح كتاباته. يعرض فيه مسرحيات لابسون، شيكسبير، تينسي وليامس. العيش هناك يسمح له ايضا بأن يرد لافريقيا التي يحبها بعضا مما اعطته، يقول ليس لي اي سبب روائي للعيش هنا. افريقيا تجعل مني اوربيا احسن فقط» رأى الابارتهايد في جنوب افريقيا وعدوانيته العسكرية. ومقارنته باسرائيل وغزة جاءت من هنا، في الموزمبيق يناضل ضد تجاوزات السلطة والجشعين مثل الصينيين مؤخرا. صهره كان هو انغمار بيرغمان، الذي شاهد معه العديد من الافلام، مانكل الثائر الملتزم مهووس بالظلمات الانسانية. ولن نفاجأ إذا علمنا بأن الشخصية التي تلهمه هي شخصية ألبير كامي.