في نظام تعدد الوسائط لم تعد مجموعة من الوسائط التقليدية لها نفس البريق الذي هي عليه الآن لاعتبار بسيط وهو التحول الكبير في نظام المعلومات، حتى اضحى قياس الأمية في العالم المتقدم والإنسان الذي لا يعرف استعمال نظام الحاسوب، ان القياس ذاك بوصلة جديدة في عالم اليوم. ان اشكالية المعلومة لم تعد تحتمل رقابة من أية سلطة أي أن مجال المعرفة اصبح متاحاً للجميع، ولا غرابة في ان يسمى هذا الجهاز الذي نتحدث عنه قرية صغيرة بكف اليد أحياناً، هذا الاشكال يطرح علينا سؤال الكتابة الالكترونية في المجال المغربي أو العربي. خصوصاً إذا اعتبرنا هذا النظام نظاماً أكثر حداثة في هذا المجال نعني بذلك انه لا يتعدى بالكاد عقدين ونصف العقد حتى 3 عقود من الزمن، في زمن ومجال يحمل اكراهات متعددة وخصوصيات أقل ما يقال عنها انها تتسم بالغرابة والمفارقات من قبيل تخلف وسطنا التربوي وسيادة الأمية والفقر.. ولكن مع ذلك لا يمكن ان ننسلخ من هذا الانجراف التكنولوجي الهائل. تجرني هذه الافتراضات إلى طرح سؤال بعينه وهو سؤال علاقة الكاتب بالكتابة الالكترونية، هذا السؤال يجرنا إلى ما طرحته تجربة الكتابة في المغرب آواخر السبعينات، خاصة الكتابة الشعرية أو ما سماها احد روادها بالكتابة - الجسد أي كيف نعطي للحرف المغربي فضاءً معمارياً يحمل القصيدة ويحتفي بها؟ لقد خلقت هاتة الاطروحة نقاشاً في الزمن ذاته بل أكثر من ذلك طرح نقاشاً عما هو الاسبق في الكتابة بهذه الطريقة بين بن سالم حميش ومحمد بنيس وللتاريخ فإن الاول سبق على المستوى الزمني بينما الثاني مع مجموعة من الشعراء كالراحل عبدالله راجع اصدروا بياناً للكتابة (في مجلة الثقافة الجديدة) صحيح أن النقاش ذاك كاد يصبح في نطاق الحداثة الشعرية والبحث عن ممكنتها في الخط المغربي خاصة كنوع من خلخلة قداسته.. هذا التصور وجد طريقة أكثر تعبيراً في المجال التشكيلي وهي تجربة مرتبطة بسياقها الغربي خاصة عند الشعراء الفرنسيين. لا يهمنا من هذا المثال سرد تجربة لم تدم طويلا ولكن الذي يهمنا هو هل مازال لليد والقلم دور في الكتابة؟ أم أن جهاز الكمبيوتر عوضها وبسؤال آخر ماذا تبقى من يد الكاتب؟ وقد يكون هذا السؤال غارقاً في تخلفه وتأخره لأن قراءة تجارب كتاب الغرب منذ القرن 19 وغالبيتهم يكتبون بالآلة الكاتبة، لكن ماذا يهمنا من هذا الهامش.. أي طريقة تكتب بها أيها الكاتب، هل بيدك وجسدك أم بالآلة؟ سؤال متجاوز في هذا الانجراف الهائل لكن السؤال الذي اطرحه هو كيف يكون الكاتب (أيا كانت طبيعة كتابته) حاضراً في هذا الجهاز، يمكن الاتصال به أو معرفة كتبه أو الاطلاع على نصوصه والدراسات النقدية وغير ذلك، طريقة سهلة تضعك في علاقة مباشرة وغير مباشرة معه، ولكنها في نفس الوقت طريقة تفقد فيك متعة البحث والتنقيب ومتعة القراءة المباشرة للكتاب هنا تختلف طرائق الكتابة وهنا كذلك تختلف طرائق البحث، ونحن في هذا الأفق نطرح سؤالا مركزياً ماذا تبقى من الكاتب هل عبوره نحو الكتابة الالكترونية هو محو للجسد؟ هل هو عبور نحو الترسيم الآلي الذي لا يستطيع محوه إلا هو نفسه؟ أم أن العبور إلى الكتابة الالكترونية بحث عن أكثر القراء والمطلعين في أقصى درجات الدنيا؟ أم أننا أمام كاتب لم يتمثل بعد هذا الانجراف المعلوماتي في وضع مسافة بين خصوصيته وجنونه ككاتب امام هذا النظام المعلوماتي، من حقنا الاستفادة من كل شيء ولكن من حقنا كذلك الوعي بالمسافات الطويلة والقصيرة بيننا وبين هذا النظام. صحيح أن هذا النظام يعطينا امكانات متعددة ولكن في نفس الآن يدخلنا في مأزق متعددة وأول مأزق هو ماذا تبقى من الكتاب ذاته الذي بالكاد يستطيع نشره هنا أو هناك. يقول لنا هذا النظام الرقمي المعلوماتي لقد انتهى دور الكتاب ما دام كل واحد من المطلعين والقراء يستطيع مساءلة Google قوقل للبحث عما يريد وبأي لغة يريد وفي أي مكتبة من العالم يريد بل يمكن ان يخلق تواصلاً بين هذا القارئ أو الباحث مع مفكر أو كاتب في العالم. ان (Google) كموقع يشد القارئ أو المطلع كاتباً كان أو غير ذلك لساعات يؤزم الكاتب وكتابه وفي نفس الوقت يفتح له أفقاً للانتشار الصامت. ان Google لا يفترض التأزيم بل يلوح نحو محوه. لقد انتهى دور الكاتب، بمعنى أن ميثولوجيا الكاتب والكتابة لم تعد تحمل بريقها في هذا العالم، انه محو للاثر، أثر الكاتب في الخيال الجماعي الذي بدا ينحبس شيئاً فشيئاً أي لم يعد لوظيفة الكاتب معنى في أزمنة الطرق السيارة وتعدد الوسائط ولم تعد الكليشيهات التي أسطرته وتأسْطر بها موجودة، كأننا اليوم في زمن النهايات، صحيح أن مجموعة من الكتاب وجدوا في نظام العولمة موضوعاً للمجابهة، والمساءلة، بل أكثر من ذلك نجده في أكثر البلدان تقدماً يبحث في غرائبية هذا الزمن وعجائبيته وهذا ما يؤكده - على سبيل المثال - »ميلان كونديرا« في سؤال صميمي يتمثل في كيفية الحفاظ على الرواية من هذا النظام الجارف، هذا السؤال يلوح في أفق الكتابة، بل في حميمية الكاتب العربي والمغربي - سؤال الحفاظ على الحلم الذي يؤثث الكتابة في زمن الذبح وانهيار القيم، والدخول إلى الاستهلاك المفرط، الاستهلاك السريع، حتى في مجال المعرفة، استهلاك »الماكدونالد«، أعني أن قيمة »الماكدونالد« أضحت سائدة في جميع المجالات حتى في مجال المعرفة، لنتأمل بنوع من السذاجة فضاءاتنا المغربية من معمار ومأكل ولباس، سنجد انجراف الجميع نحو ما يستهلك بشكل سريع حتى أضحت الفضاءات تلك بدون طعم ورائحة، ستتوقف الكتابة عما كانت عليه بمحدوديتها في الواقع المغربي والعربي إلى غيابها بشكل خافت حتى الشماتة، كما كانت عليه الحلقة (الحكواتي الذي يسرد القصص في الساحات العامة) واستبداله بالرسوم المتحركة وغيرها وأصبحت هي المجال الذي يرتبط به الطفل بالخيال.. قد يطرح كاتب مثلي عن قيمة ما يكتبه الآن وقيمة ما يقرؤه الآن وقيمة نضاله الآن وغداً، قد يجيب بنوع من سذاجته أن ما يقوم به هو نوع من مصارعة الموت، بكل أشكالها التنميطية، فهل نستطيع رغم تعلقنا بهذا الانجراف التكنولوجي الهائل أن نناضل ضد التنميط الذي يقوم بسيادته في العالم. تلك هي المهمة وذاك هو السؤال.