تميز المشهد الجمعوي بخنيفرة خلال الأسابيع الأخيرة بندوة تربوية فكرية نظمتها جمعية الشعلة والتربية والثقافة بمركز التكوينات والملتقيات حول «تجديد الثقة في المدرسة العمومية»، شارك فيها ثلة من الباحثين والمهتمين والفاعلين بالحقل التربوي والاجتماعي، في مواضيع مختلفة يجمع بينها قاسم الندوة، المدرسة العمومية ورهان الثقة (ذ. المكي ناشيد، أستاذ باحث وفاعل جمعوي)، دور أسرة التعليم في استعادة الثقة في المدرسة العمومية (ذ. مصطفى زمهنى، رئيس المجلس العلمي)، تجربة التعليم الأولي في المدرسة العمومية (ذ. السعدية الصرفي، منسقة التعليم الأولي بنيابة خنيفرة)، المدرسة العمومية والمواطنة (ذ. عزيز عقاوي، عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، ثم المدرسة العمومية وأوراش التنمية البشرية (ذ. عمر أعشي من قسم العمل الاجتماعي بعمالة الإقليم)، وقد حضر الندوة عدد متميز من الفعاليات التربوية والنقابية والسياسية والجمعوية، ومن المهتمين بالشأن التعليمي، وافتتحت بكلمة للجمعية المنظمة التي اعتبرت اللقاء التزاما بمشروع حداثي تواق إلى غد أفضل في رؤيته الشمولية للمدرسة العمومية وأدوارها التربوية والعلمية والمعرفية. ذ. المكي ناشيد انطلق بورقته من التساؤلات المطروحة اليوم على المدرسة العمومية في علاقتها بالمجتمع المغربي وبالإنتاجية البشرية، معبرا عن رأيه في أن «أي برنامج إصلاحي لا يعطي أكله»، ذلك من خلال المرتبة المخجلة التي توجد فيها المدرسة المغربية استنادا إلى تقارير المنظمات الدولية، حتى «أن عددا من العاملين بالمدرسة العمومية، يضيف ناشيد، يأخذون أبناءهم للمدرسة الخصوصية»، ليطرح سؤال : من المسؤول؟ والجواب عن هذا السؤال «كثيرا ما أدى إلى تبادل الاتهام بين الاسرة التعليمية والوزارة الوصية»، ومن هنا دعا المحاضر إلى انخراط الجميع من أجل تشخيص حقيقي حيال أسباب تردي المدرسة العمومية، ليعود بالحاضرين في الندوة إلى مراحل التعليم منذ الستينيات من القرن الماضي، وإلى موجة إضرابات السبعينيات التي تمت مواجهتها بالقمع الشرس، مرورا بانطلاق الصراع بين السلطة والمدرسة، وبداية عزل المدرسة عن المجتمع، إلى حين الثمانينيات وسياسة التقويم الهيكلي (المديونية والقروض) وجمود الرواتب وسوق الشغل وفق املاءات وشروط الأبناك والصناديق الدولية. أما ذ. مصطفى زمهنى، فقد اختار افتتاح كلمته ب «أن الأشياء كل ما أصابها القدم لا بد من تجديدها» في إشارة منه إلى المدرسة العمومية التي حان تجديدها، شأنها شأن رجل التعليم نفسه الذي من الضروري أن يقبل بتجديد نفسه هو أيضا ليكون في مستوى انتظارات المدرسة العمومية التي لا تتوقف عن استقبال جيل المستقبل، وأن يكون المدرس هو ذلك «الإنسان الذي يرى فيه التلميذ المصلح والمناضل، والقدوة العلمية التي يستطيع من خلالها التلميذ كسب الأشياء والقيم والأفكار المطلوبة في جو من الحوار والتواصل الدائم»، وقال بأن «هناك أساتذة نحترمهم رغم مرور السنين»، و»لا يمكن الحديث عن أمة تريد أن تحقق مستقبلها وترتقي بكفاءاتها دون أن يكون لها ما يكفي من الأجيال المتعلمة ما دام الإنسان هو الأصل واللبنة الأساسية»، ولم يفت رئيس المجلس العلمي في مداخلته الإسهاب في شرح قيم العلم، وقيم الدين التي رفعت من قيمة الإنسان، وعن التجاذبات التي لم تنته بين تياري المعنى واللامعنى، أي بين العلم واللاعلم. وبدورها اختارت ذ. السعدية الصرفي تناول «تجربة التعليم الأولي في المدرسة العمومية»، من خلالها عرضها لمرحلة إحداث التعليم الأولي داخل المدارس العمومية من 2004 إلى 2009، وبلغة إحصائية استعرضت مدى توسع قاعدة المستفيدين وآليات البحث عن المتدخلين والشركاء، ولم يفت السعدية الصرفي التطرق لوضعية المربين والمربيات، والمكونات والمكونين، والدورات التكوينية التي تنظم لفائدتهم بغاية تأهيلهم في المجال، وتطوير هذا المجال الذي يبقى البنية التحتية للخطوة الأولى على باب المدرسة العمومية، كما شرحت التدابير المتخذة على مستوى تتبع المسار التعليمي للتلاميذ المستفيدين من التعليم الأولي. ومن جهته انطلق ذ. عزيز عقاوي من تحليل مفهوم المواطنة على مدى التاريخ، منذ الثقافة اللاتينية إلى الإغريقية، وكيف أن المواطنة ترتبط بالحق والواجب إلى حين صار معناها هو الانتماء للوطن، ليتوقف عقاوي بقوله في اعتبار «المواطنة هي إشراك المواطن في تقرير مصيره، واحترام حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، ليبرز المعنى الحقيقي للمدرسة العمومية كما شرحه علماء الاجتماع، وكيف أن هذه المدرسة تعمل على تحقيق قيم المجتمع وتنمية الوجدان الفكري والعقلاني والسلوك الواعي، وعلى ترسيخ مبادئ التآخي والتنافس بين المتمدرسين، ولم يفت المتدخل التوقف عند بنود من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تناول واقع المناطق المحرومة من حقها في التعليم وسط عالم يسعى جاهدا من أجل استئصال آفة الأمية، قبل أن يعبر المتدخل عن أسفه إزاء «بلادنا التي ما تزال فيها السياسة التعليمية جزء من السياسة العامة التي تشكو من عدم تشبعها بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وقال إن التعليم لا يمكنه استعادة ثقته إلا بتوفر إرادة حقيقية وهادفة، كما رأى في المخطط الاستعجالي خطة لتفويت المدرسة العمومية وأطرها للقطاع الخاص. ممثل قسم العمل الاجتماعي بعمالة الإقليم، عمر أعشي، شارك في الندوة بورقة ركز فيها حول دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في النهوض بقطاع التربية والتعليم، انطلاقا من مبدأ «لا تنمية من دون تعليم ولا تعليم من دون بنية تحتية»، والشراكات المحلية التي مكنت الإقليم من احتواء ظاهرة الهدر المدرسي، والأوراش والمشاريع التي تم تحقيقها في هذا الصدد على الصعيدين القروي والحضري، والمتمثلة أساسا في دور الطالب والحضانة والمطاعم المدرسية والقاعات الدراسية وتهيئة المؤسسات التعليمية والمراكز سوسيوثقافية، إلى جانب برمجة مشاريع أخرى في إطار التمدرس وتحسين جودة المدرسة العمومية. من أجل تجديد الثقة في مدارسنا العمومية