العشاء الخاص الذي جمع بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس الامريكي باراك أوباما بحضور زوجتيهما كارلا ساركوزي وميشيل اوباما في الجناح الخاص لرئيس الأمريكي يبدو انه اعاد الدفء الى العلاقات بين واشنطن وباريس بعد سنتين من البرود في العلاقات بين الطرفين وبدد الغيوم التي لبدت سماء العلاقات بين البلدين، حيث قال باروك اوباما في حق الرئيس الفرنسي « الصديق العزيز» ورد ساركوزي انه «لم يحدث في تاريخ البلدين هذا التطابق في وجهة النظر» رغم ان التعاون بين باريس وواشنطن الحليفتين لم يتوقف على جميع الواجهات سواء بأفغانستان او حول الملف الايراني او في محاربة الجماعات الارهابية. لكن هذه العلاقة كان ينقصها القرب او التواصل بين رئيسي البلدين. بل ان الصحافة الفرنسية والدولية تتحدث عن برود في العلاقات الشخصية بين الرجلين، خاصة ان طريقة وشخصية كل واحد منهما تختلف . واليوم هناك عدد من الملفات تقرب بينهما، خاصة ان واشنطن تنتظر دعما فرنسيا اكبر بافغانستان والرفع من القوات الفرنسية أوعلى الاقل بعث مكوني الشرطة والجيش بهذا البلد الذي مازال يستعصي على امريكا وحلفائها وتوفير الامن والاستقرار به . لكن الفرنسيين طمأنوا كاتبة الدولة في الخارجية هيلاري كلينتون خلال زيارتها الاخيرة الى بقولهم ان فرنسا ستكون الى جانب امريكا طيلة الوقت الذي سوف تستغرقه العمليات بافغانستان . الرئيس الفرنسي سوف يترأس مجموعة8 ا الكبار ومجموعة 20 في حين ان الرئيس الامريكي ما زال أمامه ملف الصراع العربي الاسرائيلي واستمرار الاستيطان الاسرائيلي الذي يسمم علاقاته مع بلدان المنطقة والملف الايراني. لكنه في نفس الوقت هو مزهو هذه الأيام بالنجاح الذي حققه بفرض إصلاح نظام التأمين الصحي والاتفاق مع روسيا فيما يخص الحد من التسلح . والعلاقة بين الرجلين كان لا بد لها من الوقت خاصة ان ساركوزي كان مقربا من جورج بوش ومن إدارة الحرب على العراق مما جعل علاقته مع اوباما تكون صعبة في البداية لاختلاف تصوراتهما ونظرتهما للعالم وزاد من هذا التباعد تصريحات وانتقادات ساركوزي لسياسة الإدارة الأمريكية بعد ان فشلت كل محاولاته لتقرب من الساكن الجديد للبيت الأبيض.ورفض الرئيس الأمريكي لدعوة عشاء بقصر الاليزيه في يونيو الماضي التي فضل عليها عشاءا عاديا رفقة زوجته في احد مطاعم باريس.. نيكولا ساركوزي الذي يسمى ببلاده «الرئيس الامريكي» او المقرب من السياسة الامريكية يجد صعوبة في خلق قنوات تواصل مع ساكن البيت الابيض رغم انه قام بعدد من المواقف الرمزية تجاه وانشطن اهمها العودة الى القيادة المندمجة للحلف الاطلسي وضع الالة العسكرية الفرنسية تحت تصرف الحلف بعد ان كان لفرنسا ،منذ قرار الجنرال دوغول سنة 1966،بالانسحاب من القيادة المشتركة والاحتفاظ بحق المشاركة من عدمها في العمليات التي يقوم بها الحلف . لكن هذه الزيارة مكنت من التقارب حول عدد من الملفات خاصة حول الملف الايراني بعد ان تخلت واشنطن على سياسة اليد الممدودة تجاه طهران حيث تطالب العاصمتين بتشديد العقوبات على ايران رغم ان باريس تريد هذه العقوبات الاممية باسرع وقت كما ان الرجلين يطالبان باصلاح المنظومة المالية العالمية رغم اختلاف طريقتهما في النظر الى ذلك الاصلاح لمنظومة المالية العالمية.. ملف الشرق الاوسط سوف يكون حاضرا بقوة بعد الازمة الخطيرة بين تل ابيب وواشنطن حول استمرار سياسة الاستعمار بالقدس الشرقية. والأمريكيون في حاجة الى التعاون الاوربي لضغط على حكومة اليمين المتطرف باسرائيل لوقف الاستيطان والعودة الى المفاوضات.وساركوزي حسب عدة مصادر فرنسية يعتبر أوباما مترددا في هذا الملف وليس له تصور استراتيجي وليس بصارم مع الاسرائليين. ومن المؤكد ان الرئيس الفرنسي سوف يقترح فكرته على الرئيس الأمريكي اي مؤتمر دولي لسلام تجمع الطرفين لمناقشة مشروع يطرحه الأمريكيون والأوربيون من الممكن ان يعطي نتيجة خاصة اذا عقد بباريس حسب الطرف الفرنسي . الجانبين سوف يتطرقان الى الملفات التي تشوبها خلافات وهي اصلاح المنظومة المالية والملف الروسي حيث لم تنظر الولاياتالمتحدةالأمريكية بعين الرضا الى تزويد فرنسالروسيا بأربع بارجات حربية تسد ضعف روسيا في هذا النوع من الاسلحة.خاصة ان روسيا لها لهجة تصعيدية في منطقة البلطيق.بالنسبة لفرنسا هذه البواخر العشكرية لا تغير التوازن الاستراتيجي بالمنطقة. علاقات باراك اوبما مع الاوربيين هي جد معقدة ،لم يحضر الذكرى 20 لسقوط جدار بيرلين ولم يلبي دعوة ساركوزي للايليزي وحتى استقباله لغوردن بروان كان جد عادي مما يطرح عدة تساؤلات حول باراك اوباما في علاقته مع قدماء الحلفاء .اما انه لا يعطي اولويات في علاقاته مع أوربا ويهتم بالثقل الاقتصادي والجيوسياسي الذي اصبح لآسيا ودررها في العالم بعد تراجع دور القارة العجوز بالاضافة الى التكوين الشخصي للحسين باراك اوبما عكس بيل كلينتون لا يرى المحور الاطلسي هو الاساسي في العلاقات امريكا مع الخارج بل يهتم باسيا . هناك من يفسر هذه اللامبالاة بان اوبما ينكب على الإصلاحات الكبرى ببلده للحفاظ على قوة واشنطن بالعالم. و أوربا لم تعد ضرورية إستراتيجية بالنسبة للأمريكيين في حين ان أمريكا أساسية للاوربين. لكن ساركوزي لم يتضرر بموقف باريس في عهد الرئيس شيراك الذي تمكنت من حشد العالم ضد حرب بوش سنة 2003 من خلال خطاب وزير الخارجية الفرنسي انذاك دومنيك دو فيلبان امام المنتظم الاممي. ونبهت العالم الى مخاطر القرار الامريكي المتسرع والمبني على معطيات كاذبة سواء فيما يخص الترسانة النووية للعراق او الكيماوية او العلاقة المفترضة مع شيوخ القاعدة . لكن تطورات هذا الغزو بينت الكذب الفاحش للإدارة بوش الذي ارتكب جيشه فضاعت بالعراق لم تسجل على اية قوة استعمارية في العصر الحديث. الرئيس الامريكي الحالي يحاول الخروج من المأزق العراقي وتسليم الأمن والسلطة في افق سحب الجيش الامريكي هذا التحول الذي بدأ في السياسة الخارجية تنتظره بترقب البلدان العربية خصوصا في انعكاساته على القضية الفلسطينية وكذا الصراع بلبنان وسياسة شد الحبل مع ايران وسوريا. بالنسبة لرئيس الفرنسي تحقيق النجاح على المستوى الدولي هو نوع من الهروب من السياسة الداخلية لتجاوز الهزيمة المهينة في الانتخابات الجهوية الاخيرة ويعول على نشاطه الدولي من اجل استرجاع شعبيته المفتقدة. المغرب الذي يعتبر احد اكبر شركاء وأصدقاء فرنسا بالجنوب المتوسطي والذي تربطه علاقات متميزة بفرنسا على مختلف الأصعدة وله وضع الشريك المتقدم مع اوربا يتابع هذه التطور في العلاقات بين باريس وواشنطن بارتياح لأن التقارب بين العاصمتين لا يمكن الا ان يفيده العلاقة المتميزة للمغرب مع واشنطن وباريس.