يضطر ادريس جطو أن يغير يوميا من جدول أعماله ويستقيظ باكرا ليرى ما يحدث له. إنه يشبه البطل في رواية يابانية، يشعر أن الأشياء تحاك في الخفاء ولا يعلمه أحد بما سيصبح عليه، ويصرخ، أيها الفجر عجل قليلا، لكي أعرف إن كنت مازلت حيا أم قتيلا. إنه يخاف أن ينعت باللص، كما صرح ل«ماروك إيبدو». لهذا لا يريد من المغاربة أن يعتقدوا بأنه مثل الآخرين يسرق. من هم الآخرون، يا سيد ادريس؟ لا تحديد صفة ولا بروفايل للذات المعنية هنا بالآخرين. نحن نكاد نعيش فيلما آخر: فيلم الآخرون، الذي أخرجه أليخاندرو آبار، للبطلة الشيقة نيكول كيدمان. ويحكي هذ الفيلم الرهيب بجماله قصة، سيدة اسمها غريس، تعيش في جزيرة جيرسي، وقت الحرب العالمية الثانية. تنتهي هذه الحرب ولا يعود زوجها، الذي تراه باستمرار في مناماتها .. السيدة غريس تسهر على تربية ولديها، المصابين بمرض غريب: استحالة عرضهما للضوء. وبذلك تكون الغرف والبيت برمته غارقة في العتمة، إلى أن يأتي الآخرون الغرباء، الذين يصعقون السيدة غريس بالحقيقة: إنها ميتة، وأن الولدين ميتان وعليها أن تقبل بالعيش في الحياة الجديدة، أي حياة ما بعد الموت..الآخرون هم الذين يفرضون عليها الضوء، مثلما يفرض الآخرون اليوم على جطو الصراع من أجل ألا يشبههم. جطو لا يعرف من يواجه، إنهم الآخرون في قصة تبدو أنها تدور في عالم لا يدركه، وهو يقول «لو كنت أعرف، فلن أدخر جهدا في مواجهة الشخص أو الاشخاص الذين يعملون في الظلام لتلطيخ سمعتي». يدرك بأنهم «ربما يريدون أن يقفوا سدا منيعا لكي لا أعود الى منصب كبير في المسؤولية». وهو يقول بأن العودة المحتملة يمكن أن تطرح مشاكل على البعض الذين يحركون الخيوط اليوم. من الذي يحرك الخيوط اليوم؟ اتبعوا أصبعي إلى حيث يشير، ويقول لنا ادريس جطو، مع الاحتفاط دائما بالابتسامة الملتبسة . السؤال: ماذا لو لم يكن ادريس جطو صاحب عقارات بالمرة. كعبد الله إبراهيم مثلا الذي رفض حتى أن يتسلم راتب التعويض عن المهمة أو التقاعد المهني كوزير أول لمدة أربعين سنة تماما؟ ماذا لو كان كعبد الرحمان اليوسفي لا يعرف مسار الطرق السيارة، مثلا؟ ربما كان هناك من لن يتحدث عنه سوى ... في السياسة ويحمله مشاكل سياسية كبيرة ...فقط، ولن يتهمه باللصوصية. لكن ندرك أيضا بأن الذين لا يحبون المال في هرم السلطة عادة ما لا يجدون أصدقاء في المحيط السياسي وفي الوسط الذي نعرفه. على جطو أن يتحدث بشكل واضح ويضع أسماء على الوجوه التي تتحرك في العتمة، مادام يعرف بأنهم ضد عودته إلى السياسة، إلى المناصب الكبرى، هل أكبر من الوزارة الأولى؟ جطو مسار غريب للغاية، وسيظل في التاريخ السياسي المغربي الحديث اسما مقترنا بالخروج عن المنهجية الديمقراطية، أو ربما عن «الأوطوروت» الديمقراطي إذا شئنا التعامل مع مصطلح الهجوم اليومي. لكن جطو وجد من يدافع عنه في الصحف، وهذا شيء محمود في الديمقراطيات، ووزراء أولون في الغرب قد يلجأون إلى ذلك عندما يمثلون أمام القضاء إذا استدعوا إلى ذلك، كما هي حالة دوفيلبان، الذي خرج من المحكمة ليعود إلى السياسة بإنشاء حزب. وهي فكرة قد تراود ادريس جطو. ولمَ لا ويغير من قناعاته، أو على الأقل تلك القناعة التي شهدت عليها ذات عشاء في بيته. كان المغرب قد خرج من انتخابات 2003، وكانت حرب المدن العمودية على أشدها. واستدعى جطو الكثير من الصحافيين والمسؤولين إلى بيته ليقدم لنا وجبة دجاج، هو نفس الدجاج الذي سيعض عليه بالنواجد أمام الكاميرا أثناء حرب الأنفلونزا الشهيرة. ومما أذكره قوله بأنه «لا حاجة لي ببطاقة حزب لكي أكون مسؤولا». قبل أن يتدارك القول بأن الوزراء الحزبيين يساعدونه جيدا ويتعاملون معه جيدا. لا أعتقد بأن السيد ادريس جطو، الذي يشهد الكثيرون من مختلف المشارب والمنابر بنزاهته وقدرته على إيجاد الحلول والقدرة على قيادة الحوارات الصعبة. والحكمة الدكالية الامازيغية المزدوجة في إيجاد الحل الوسط غير قادر على أن يقول ما يجب قوله. ادريس جطو سبق له أن كان في دوامة السياسة والمال عندما دافع عنه صديقه حسن الشامي، ممثل الباطرونا وقتها والذي صرح بأن «الوزير الأول ليس حرا كثيرا في عمله»، ودعا إلى تمتيعه بالسلطات التي يستحقها، وقتها خرج وزير الداخلية مصطفى الساهل للرد عليه، في أول خرجة من نوعها وحجمها في علاقة الصحافة والوزارة الأولى وال.. دولة! كان الآخرون مرة أخرى وراء ما تعرض له؟ جطو سيرتبط اسمه بالدوش البارد الذي نزل على المغاربة بعد الخروج عن المنهجية وأيضا بالدوش البارد الذي نزل عليهم وهو يساق إلى صفحات الجرائد..وربما إلى الزاوية المعتمة للدفاع عن النفس. سيكون من المفيد أن يكتب ادريس جطو ويتحدث عن تجربته في مسار السلطة، وأن يخلق الحدث بكتاب طويل عن مساره وبعض من أسراره، ويكون كما فعل الوزير الأول الفيلالي.. وتلك قصة أخرى.. سيكون من المفيد أن يتحدث ادريس جطو عن الآخرين: .. حتى لا يقع ما وقع لذلك الرجل المسكين الذي كان يتجول ووقع في يد مجموعة من المجانين فسألوه: واش معانا ولا معا الآخرين فآجابهم : أنا معاكم فردوا عليه: احنا هما الآخرون..!!