بجسد ضامر ضئيل، ونظرات خجولة هاربة، وقلب طفولي صغير منكسر، تجاهد عائشة جرحها الكبير الباكر... حالة نشاز فظيعة تحاكم ضمير مجتمع، في غرفة الولادات بمستشفى سيدي محمد بن عبد الله بالصويرة. طفلة من 12 سنة مغتصبة طفولتها طولا وعرضا، يُستعصى على عاقل متزن أن يجد في بؤسها، وضالتها، وبراءتها وطفولتها شيئا من الأمومة، أو حتى الأنوثة. في سن 12 سنة، عاشت عائشة الطفلة القروية التي باعدت السنون والذكورة المريضة بينها وبين مقعدها الدراسي، تجربة الوحم ،الحمل، والمخاض، والوضع. ومعها معاناة النساء القرويات الحوامل من الخدمات الصحية. في سن الثانية عشرة، أو قبل ذلك بقليل أو كثير، اكتشفت عائشة أن محيطها الصغير أبشع من أسوأ كوابيسها، وان حبل طفولتها أقصر من ظفائر دميتها. في دوار من دواوير منطقة ايت داوود بإقليم الصويرة تلوك الألسنة حديث مأساة عائشة، ويستعيد رجل سلطة عمل قديما في ذات المنطقة، تفاصيل حادثة مشابهة وقعت سنوات الثمانينات بنفس المنطقة، حين أقدم أب على اغتصاب ابنته الصغيرة... عائشة أيضا تتهم أباها باغتصابها، لكن بعد طول إنكار وبعد أن وجهت التهمة بداية، بإيعاز من أسرتها، إلى ابن عمها. كان يمكن أن تجمع الشكوك على اتهام ابن العم اعتبارا لشيوع هذه الحالات، غير أن الخطير في الأمر هو أن عائشة لم تكن إلا إعادة إنتاج لمأساة أختها الكبرى التي عاشت تجربة الاغتصاب قبل سنوات، وجه الاتهام إلى ابن العم، واستكانت إلى جرحها... كما لم يستسغ البعض حالة الأخت الكبرى وسكتوا على مضض، رفضوا في حالة عائشة الركون إلى الصمت وترك الفاعل الحقيقي يفلت من عقابه، نشب خلاف قوي بين الأب والعم، وجه الاتهام صراحة إلى والد عائشة، حاصرته الشكوك، شرب الماء الحارق لدافع أو لآخر، أسعف، اعتقل وحول إلى محكمة الاستئناف بأسفي... قد يسجن لسنوات إلى أن تتيبس شرايينه ذات السبعين سنة، لكن ستبقى عائشة هي الخاسر الأكبر في هذه القضية التي كشفت من جديد واقع الاستلاب الذي مازالت تعيشه النساء القرويات إلى درجة تهون فيها مشاعر جميع القيم أمام سطوة زوج مريض. خسرت عائشة طفولتها، بكارتها، طفلتها غيثة التي أودعت مركزا لرعاية الأطفال في وضعية صعبة، أباها، إحساسها بالأمان، وانفتحت على عالم مفروش بالشكوك وأحكام القيمة. تضم جرحها إلى جرح أختها الذي فتح من جديد، إلى إعاقة أمهما واستلابها، لعل الحياة تمنحها قليلا من البسمة تداري بها الجرح الذي لن يندمل، وسيفتح من جديد حين تنضج فيها مشاعر الأمومة...