كتاب شاهد على العصر»، هكذا نتصور الأجيال القادمة تقول... كتاب مفيد ومن الأهمية بمكان... كتاب توثيقي بذل فيه الصحفي والكاتب أحمد الدافري مجهودات تستحق التنويه تحت عنوان: «فرقة المعمورة: حكاية مسار».. بأسلوب سلس وممتع، سافر بنا الكاتب إلى عوالم هاته الفرقة التي سمعنا عنها كثيرا، ولا نعرف عنها الشيء الكثير... كتاب شهادة لمسار فني لممثلين من العيار الثقيل، ولأحداث وذكريات عبرت الزمن المعمور، وكاد يطويها النسيان لولا المبادرة الحميدة للزميل الدافري. وقد كان الزميل المختار لغزيوي صائبا في تقديمه للكتاب حين قال «إن عديد الرواد الذين رحلوا في صمت مخجل من بين أسماء هذه الفرقة أو من بين الأسماء الرائدة الأخرى في كل المجالات الفنية المتنوعة سيجدون في كتاب أحمد العزاء الحقيقي...». شرعنا إذن في قراءة الكتاب من أجل المتعة والمؤانسة، واستوقفنا فصل من الفصول يحمل عنوان: «مآل امرأة أبهجت المغاربة في المسرح والإذاعة والتلفزيون». من هي؟ ومن تكون هذه المرأة؟ إنها هي بعينها... إنها المحبوبة صفية الزياني... لن أخفيك عزيزي القارئ بأنني قرأت الفصل أكثر من مرة لتتأكد ذاتي مما تقرأه عيوني. وكدت أمسح دمعتين من كل عين وأصرخ بصوت مرتفع: «أضاعوها، وأي فتاة أضاعوا» يا للمنكر، يا قساوة الوطن على هاته الحمامة الجميلة...؟! فلنستمع بعد الجلوس ما جاد به كتاب الدافري الصادر عن منشورات« نجوم بلادي» في الصفحة 23: «... لم نكن نتصور أن هذه الفنانة التي مافتئت تناضل للدفع بمسيرة المسرح المغربي، الى الأمام منذ أن امتهنت التمثيل في فرقة المسرح المغربي سنة 1958 رفقة جيل الرواد، والتي منحت الجماهير أبهي لحظات السعادة والفرح بأدوار رائعة جعلت منها نجمة المغرب الأولى في صنف الكوميديا، ستصل بها الحياة إلى مثل تلك الحالة المزرية التي وجدناها عليها. لم تكن تبكي وهي تحكي، لكن شيئا ما في صوتها كان يوحي بأن المعاناة كبيرة والألم شديد يخترق الفؤاد..» «أنا لا أريد أن أستجدي ولا أن أتسول، لكني أريد فقط أن أعرف أي جرم ارتكبت في حق بلدي لكي أصير على هذا الحال...». هكذا قالت صفية، والقول ما قالته الزياني. وبعد أن ذكر الكتاب بالمسار المتميز للفنانة طيلة سنوات وسنوات: والعودة إلى ذلك اليوم الذي تم فيه تشريد أفراد أسرتها بعدما اقتحم الجنود السينغاليون بيتهم ومزقوا الأفرشة وحطموا الأثاث باحثين عن أثر لأسلحة أو منشورات لها علاقة بأنشطة خالها المقاوم المعروف «المفضل الشرقاوي» الذي سمى الراحل الحسن الثاني أحد شوارع «حي السويسي» باسمه... جاء السؤال: لماذا للا صفية، لم يتم تكريمك إلى حد الآن بشكل لائق يزيل عنك الضائقة المالية التي تعانين منها؟ المحكمة هي التي تستدعيني قريبا، ترد صفية بلهجة فيها من المرارة أكثر مما فيها من السخرية قبل أن تضيف: توفي ابني طارق بسرطان الرئة سنة 2002 (...) تحملت كل ما مصاريف العلاج لوحدي، وبعت كل ما كان لدي في البيت من أثاث وتجهيزات. لم يساندي في محنتي سوى مجموعة من الموظفين البسطاء في حي المحيط جزاهم الله خيرا. وفي السنة الأخيرة من مرضه، لم يعد لدي ما أبيعه لأشتري الأدوية، فبقي يعاني أمامي إلى أن انتقل إلى جوار ربه (...) أنا الآن لا أستطيع أن أؤدي واجب كراء البيت الذي أسكنه، لأنني لا أتقاضى من راتب تقاعدي سوى مبلغ 400 درهم. أما الباقي فأؤدي به مبالغ الشيكات التي وضعتها لدى محلات بيع الأدوات والأجهزة المنزلية (...) لم يكن الغرض من كلام صفية استجداء لعطف مفقود أو طلبا لكرم منشود فالأمر كما قالت مجرد بوح بواقع حال. «أنا أفضل أن أموت جوعا على أن تمرغ أنفتي في التراب»، قالت صفية ووقفت وهمت بالذهاب. لكن إلى أين؟ هذا هو السؤال عزيزي أحمد... إلى أين؟ أين ستطير الحمامة بدون الجناحين؟ تود لو نبتت لها أجنحة لتطير بعيدا عن هذا العالم الموبوء، وهذا الكابوس اللعين لتتساءل بأي ذنب هُمشت؟ تمر اليوم مزهوة بذاتها، ولا تمثل، فقط تتلهى إلى حين انتهاء الحروب والمعارك، ترقص في ذات سلسلة تلفزيونية ولا يشاركها الحمام الرقص على نفس الإيقاع... إنها بحق لوحة آتية من البعيد تعرف قيمتها وتصدق ما يقوله الناس عنها. إن صفية صافية والتمثيل عندها لعبة تلعبها بالجسد والوجدان والصوت الرنان... فيا أهل الحل... فها هي حمامتنا تناديكم لتفصح عن دواخلها... هنا والآن... ولاداعي للبكاء والنواح... فلن تطلب شيئا آخر سوى حقها المشروع... نعم المشروع... هدوءها صامت، وصمتها هادئ، والفن طويل، والزمن قصير، ولن تنتظروا منها أن تقرع الأبواب، وبابها مفتوح... وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم...