اعتبر جورج لافو أن المعيار الأساسي في تفسير حقيقة الحزب السياسي ، هو الوقائع و الحقائق الاجتماعية خارج أي مقاربة مقارنة أو تركيبية ، بحيث نكتفي بوضع الحزب في إطاره التاريخي و الاجتماعي ، غير أن هذا التصور لم يستطع أن يلغي التصنيف الكلاسيكي القائم على التمييز بين الأحزاب الجماهيرية و أحزاب الأطر أو بين أحزاب الرأي و أحزاب الإيديولوجيا. من بين التعريفات الأكثر شهرة للحزب السياسي يمكن الإشارة إلى تعريفين أساسيين باعتبارهما الأكثر تداولا بين علماء السياسة: الأول : تعريف واسع لصاحبه «ماكس فيبر» ، و الذي عرف الأحزاب السياسية بكونها «جمعيات تقوم على التزام شكليا حر، هدفها مد مناضليها النشيطين بحظوظ مثلى أو مادية لمتابعة أهداف موضوعية أو الحصول على امتيازات شخصية أو تحقيق الإثنين معا ». التعريف الثاني ضيق، لكنه أكثر دقة من سابقه و هو ل «لا بالومبارا» و «فينر» في مؤلفهما «الأحزاب السياسية و التنمية السياسية ». و يركز هذا التعريف ، على أربعة شروط حتى يمكن القول بوجود حزب سياسي، و هي: 1 - تنظيم دائم مستمر. 2 - تنظيم محلي وطيد ، يقيم صلات منتظمة و متنوعة مع المستوى الوطني 3 - إرادة واعية للقادة الوطنيين و المحليين لهذا التنظيم لأخذ السلطة و ممارستها لوحدهم أو مع الغير و ليس فقط التأثير عليها. 4 - البحث عن دعم شعبي من خلال الانتخابات أو بطرق أخرى. و يمكن من خلال القراءة المتأنية لهذه الشروط استخلاص المعايير الأساسية للحزب السياسي: أ - استمرارية التنظيم، و هنا يتميز الحزب السياسي عن كثير من الخلايا أو التنظيمات العرضية التي تختفي تلقائيا مع اختفاء مؤسسيها . في حين أن الحزب السياسي يمكن أن تكون ولادته على يد زعيم كاريزمي لكنه يستمر في الوجود نتيجة مأسسته دون الارتباط بالزعيم المؤسس.. ب - تنظيم متكامل من المركز إلى المحيط، و هذا المعيار هو الذي يميز أيضا الحزب السياسي عن المجموعات البرلمانية التي لا تتواجد إلا على المستوى الوطني دون التوفر على نسق كامل و مستمر للعلاقات و الصلات مع القاعدة على المستوى المحلي. ج - إرادة ممارسة السلطة ، و هي المعيار الذي يميز الحزب السياسي عن مجموعات الضغط ، ذلك أن الأحزاب السياسية هدفها المباشر هو السعي إلى السلطة أو المشاركة في ممارستها ، فهي تسعى للحصول على مقاعد في الانتخابات ، و تشكيل البرلمان ، و المشاركة في الحكومة، مع الإشارة هنا إلى سعي الأحزاب الثورية للانقضاض على السلطة و ذلك «بقلب النظام القائم». و على العكس من ذلك، فإن مجموعات الضغط لا تسعى لأن تمارس هي نفسها السلطة، بل فقط إلى التأثير على الماسكين بزمامها ، و الضغط عليهم و من هنا جاءت تسمية «مجموعات الضغط». د - البحث عن دعم شعبي بالخصوص بواسطة الانتخابات ، و هذا ما يميز الأحزاب السياسية أيضا عن النوادي الفكرية أو حتى السياسية التي لا تشارك في الانتخابات أو الحياة البرلمانية . فالنوادي ليست أحزابا لكن يمكنها الضغط على هذه الأخيرة أو على الحكومة أو على الرأي العام بما يحقق مصالحها. و على الرغم من ذلك، فإن الحدود ليست فاصلة بشكل مطلق، ذلك أن النادي الفكري أو السياسي يمكنه مباشرة الفعل السياسي أو التحول إلى حزب سياسي بذاته،أو تتحول نفسها إلى حزب سياسي نشيط في الساحة السياسية. في أصل الحزب السياسي.. بحسب تعريف «لابالومبارا» و»فنير» للحزب السياسي فإن هذا الأخير لم يظهر بالمفهوم الحديث للكلمة إلا في القرن التاسع عشر. ففي إنجلترا لم يظهر الحزب السياسي إلا مع الإصلاح الانتخابي لسنة 1832، و مع التنظيم المحلي الذي عرفه هذا البلد. أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد ظهر الحزب في فترة الرئيس «جاكسون» في حدود 1830 ، حيث تطور مفهوم الحزب ، و ذلك بخلق قواعد محلية قوية تدعمها شرائح اجتماعية واسعة. و في فرنسا و غيرها من الدول الأوروبية ، فإن تحول المجموعات البرلمانية و النوادي السياسية إلى تنظيمات جماهيرية، ارتبط بالخصوص بثورة 1848 . و في اليابان، أول بلد أسيوي استلهم المؤسسات الغربية، فإن الأحزاب السياسية لم تظهر فيه إلا في نهاية القرن التاسع عشر و إلى حدود الحرب العالمية الأولى لسنة 1914. أصل الأحزاب عند «دوفيرجي».. في حديثه عن الأحزاب السياسية ، يربط «موريس دوفيرجي» نموها بوجه عام بنمو الديمقراطية، أي باتساع الاقتراع العام الشعبي، و بالامتيازات البرلمانية . فكلما اتسعت استقلالية و وظائف المجالس السياسية ، كلما شعر الأعضاء بالحاجة إلى التكتل بغية العمل بصورة جماعية. و كلما انتشر حق الاقتراع ، كلما دعت الحاجة إلى الإحاطة بالناخبين من قبل لجان قادرة على التعريف بالمرشحين و جلب الأصوات نحوهم. إذن فنشأة الأحزاب متعلقة بنشأة الكتل البرلمانية و اللجان الانتخابية . و مع ذلك، فإن أحزابا أخرى قد نشأت خارج الدورة الانتخابية و البرلمانية. و من ثم يميز «دوفيرجي» بين منشأين للأحزاب السياسية. أولا .. الأصل الانتخابي و البرلماني للحزب ثانيا .. المنشأ الخارجي للحزب، و هنا يتعلق الأمر بدور أجهزة خارجية بعيدة عن الإطار الانتخابي و البرلماني . أصناف الأحزاب .. اعتبر جورج لافو أن المعيار الأساسي في تفسير حقيقة الحزب السياسي ، هو الوقائع و الحقائق الاجتماعية خارج أي مقاربة مقارنة أو تركيبية ، بحيث نكتفي بوضع الحزب في إطاره التاريخي و الاجتماعي ، غير أن هذا التصور لم يستطع أن يلغي التصنيف الكلاسيكي القائم على التمييز بين الأحزاب الجماهيرية و أحزاب الأطر أو بين أحزاب الرأي و أحزاب الإيديولوجيا. * حزب الأطر : وصفه موريس دوفيرجي بالتقليد و المحافظ و الليبرالي ، مهمته جمع الأعيان ، و يهمه النوع لا الكم ، لما لهؤلاء من نفوذ معنوي و ثروة مالية تسمح بتغطية نفقات الحملات الانتخابية ، و تتميز هذه الأحزاب بضعف تنظيمها الداخلي و قلة أعضائها الذين يتمتعون باستقلالية كبيرة تجاه الأجهزة المركزية للحزب . و تتلاءم بنية أحزاب الأطر مع بنية الدولة الليبرالية للقرن التاسع عشر المرتكزة على الأعيان البورجوازيين أو الأرستقراطيين . * الحزب الجماهيري: و ارتبط هذا النوع بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية في بداية القرن العشرين ، و حسب دوفيرجي دائما فإن البنية الجماهيرية للأحزاب الاشتراكية استوجبتها من جهة ظروف مالية لمواجهة نفقات الحملة الدعائية للمرشحين الاشتراكيين الرافضين لتمويل المؤسسات الخاصة ، و ذلك بتجنيد الجماهير في الحزب و دفعها مساهمات منتظمة في الصندوق الانتخابي . و بخلاف «حزب الأطر»، فإن الحزب الجماهيري شديد التمركز و التمفصل، حيث أن التنظيمات المحلية تسبق ظهور الحزب على الصعيد البرلماني و القاعدة هي التي تضع البرنامج لا المنتخبون، بل إن الحزب قد يطلب من برلمانييه التزامات محددة حول سلوكهم السياسي مثل الانتماء الإجباري للفريق البرلماني و الانضباط في التصويت و دفع جزء من الراتب البرلماني للحزب . * أحزاب الرأي و أحزاب الإيديولوجيا : يقوم هذا التصنيف على أساس المعيار الإيديولوجي ليميز أحزاب الرأي ذات الأفكار و المفاهيم غير الواضحة و المواقف المتذبذبة ، و بين أحزاب الإيديولوجيا ذات الأفكار الواضحة و الملتزمة و الساعية لتطوير المجتمع وفق قيم تؤمن بها ، فبينما تتميز أحزاب الرأي بدفاعها عن مصالح كل الطبقات و سعيها للحفاظ على هياكل النظام و ضعف التنظيم و قيام الزعامة فيها على أساس النفوذ الاجتماعي . تتميز أحزاب الإيديولوجيا باعتمادها الصراع الطبقي و الدفاع عن طبقة اجتماعية معينة و السعي للتغيير الجذري و قوة التنظيم و الانضباط الحزبي و قيام الزعامة على أساس النفوذ الحزبي لا على أساس الموقع الاجتماعي أو الطبقي . هذه المعيارية التي اعتمدها موريس دوفيرجي لم تسلم من الانتقادات ، و فسحت بذلك المجال لباحثين آخرين في وضع أصناف جديدة مثل مفهوم «حزب التجمع» و هو حزب لا يكترث بالإيديولوجيا و تكوين المناضلين بقدر ما يتميز بنشاطه المستمر و مرونة مذهبه سعيا لاستقطاب أكثر عدد من الأصوات . وظائف الحزب السياسي .. يمكن الإشارة إلى جملة من الوظائف الأساسية للحزب . - الوظيفة البرنامجية: أي قيام الحزب بتركيب التطلعات المتناقضة و المختلفة للمواطنين في برنامج واحد متناسق و مذهب جامع بما يمكن من هيكلة الرأي العام و قياس مواقفه و رفعها للحاكمين. - انتقاء المرشحين أو الاستقطاب السياسي : و هنا تختلف طريقة الانتقاء بحسب طبيعة الحزب ( حزب أطر و حزب جماهيري ) . - تأطير المنتخبين : و ذلك بطريقتين متكاملتين .. من جهة يحافظ على تواصل مستمر بين المنتخبين و الناخبين عبر مناضليه . و من جهة ثانية يسهر على انضباط فريقه البرلماني و تطبيقه للبرنامج المعروض على الناخبين من قبله. - الوظيفة الإعلامية: و تتمثل في إخبار الحزب السياسي لأعضائه بصفة خاصة و الرأي العام بصفة عامة، عما يجري من وقائع و أحداث سياسية، إما عبر صحيفته أو عبر لجوئه للإعلام السمعي البصري أو إصدار المطبوعات و النشرات و عقد ندوات و تجمعات. - تكوين الطبقة السياسية : يعمل على تأطير الناخبين و المرشحين و المنتخبين، و تهيئ طبقة سياسية تحكم البلاد ، كما أن من وظائف الحزب تنظيم المعارضة في حالة عدم النجاح في الوصول إلى الحكم و توجيه النقد للحكومة المقرون بالحلول البديلة في احترام تام لقواعد المشروعية الدستورية. هذا في ما يتعلق بالمقاربة الكلاسيكية لوظائف الحزب. «فرانك سوروف» تحدث عن مقاربة وظيفية محصورة في ثلاث وظائف للحزب و هي : الوظيفة الانتخابية وظيفة المراقبة و توجيه المؤسسات العمومية وظيفة تحديد و التعبير عن الأوضاع السياسية.