«كاتب وباحث عضوي بامتياز، بالمعنى الغرامشي العميق للكلمة»، هكذا وصف الناقد نجيب العوفي الأستاذ كمال عبد اللطيف في تلك الأمسية الحضارية والدالة التي احتضنها فضاء «المكتبة الوطنية للمملكة المغربية»، الفضاء حيث تمتزج الأيقونات الجمالية بالفعل الفكري، يوم 17 مارس الجاري. أما المناسبة، فلم تكن سوى تكريم كمال عبد اللطيف، أحد رموز «الجيل الثاني من المفكرين المغاربة، جيل الفلاسفة الجدد الذي أعقب جيل الرواد». وهو تكريم أقدم على تنظيمه، في خطوة لا تخلو من رمزية ودلالات، المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، بشراكة مع وزارة الثقافة، المكتبة الوطنية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكَدال. تلك الرمزية والدلالات التي عبر عنها عبد الإله بلقزيز على شكل علامات استفهام موحية في استهلال شهادته بمناسبة الاحتفاء التكريم: «لماذا لا تحتفل النخب السياسية والثقافية بأبنائها إلا بعد الفقدان؟ ما هي الأسباب العميقة التي تجعل أخلاق الاستبعاد هي الغالبة، ولا يُفرج عن بعض مشاعر الاعتراف إلا بعد الانطفاء والموت؟ هل تأسست بين الناس ما يشبه ثقافة جمعية للموت تمنعهم من الإقرار بقيمة الناس، مهما تفاوت الحكم عليها، أثناء حياتهم؟ من بين مفارقاتنا، وهي كلمة عزيزة على صاحبنا كمال عبد اللطيف، في المغرب أننا كثيرا ما نقدر الناس بعد فقدانهم. وقليل منا من يجرؤ على تبني قيم الاعتراف بعطاءات الآخرين وهم في عز حضورهم». قيمة الاعتراف هذه، النادرة إن لم نجازف بوصفها بشبه المغيبة، تجسدت بالملموس من خلال الكلمات والشهادات التي دوت عاليا في رحم جوهرة الرباط المعمارية والثقافية في ذلك اليوم المؤسس لثقافة الاعتراف، بالإضافة إلى مبادرات أخرى رغم أنها تعد على رؤوس الأصابع، أي كلمة عبد الرحيم العلام، نائب رئيس اتحاد كتاب المغرب، وشهادات مقاربات سعيد بنسعيد العلوي، عبد الله ساعف، عبد السلام بنعبد العالي، عبد الإله بلقزيز، محمد الوقيدي، نور الدين أفاية ونجيب العوفي. من جهته قدم المحتفى به شهادة جد مؤثرة انسابت معها، بفعل رقتها الأدبية والفكرية، دموع بعض الحاضرين، كلمة شهادة وسمها كمال عبد اللطيف ب «اليد الأخرى من مواجع الدماغ». ضمن ملف هذا العدد من «الاتحاد الثقافي»، وتثمينا لثقافة الاعتراف وانخراطا في أفقها، ننشر نص كمال عبد اللطيف وشهادتي نجيب العوفي وعبد الإله بلقزيز، احتفاء بمثقف «محب للحياة وتواق إلى غد عربي أفضل، (كاتب وباحث) لا يمكنه إلاّ أن يحلم، ويفتح الكوة على بارقة الأمل».