وبعبارة أخرى إذا كان العالم العربي مطالب أن يتفاعل مع محيطه الخارجي من جراء عولمة الاقتصاد وشملنة المبادرات، ماهي الثوابت التي يجب أن يحافظ عليها شبابه (الدين، اللغة، التراث، المعمار، والفنون بجميع اشكالها؟)، وماذا يمكن ويجب تغييره (المؤسسات، التكنولوجيات، أنماط الانتاج والتدبير؟). فإن كان الشباب العربي مدعوا لأن يساهم في الاجابة عن هذه الاشكاليات الضخمة، فإن مسؤولية النخب العربية تبقى كاملة في هذا المجال. وفي هذا الإطار، فلقد سبق لنا (الاتحاد الاشتراكي، عدد 8882 بتاريخ 28 ماي 2008) ان لاحظنا أن الشباب لم يبق غير مبال إزاء هذا الوضع الذي يطرح عليه بحدة إشكالية الهوية والقيم. هكذا أبرزنا أن هناك عدة أصناف من الشباب تتعدد تعاملاتهم مع هذه الاشكالية حسب تنوع اختياراتهم. فهناك شباب اختار العمل السياسي للتعبير عن قيمه وقلقه وهمومه وآلامه وآماله وطرق تغيير واقعه وأوضاع مجتمعه، شباب اختار العمل المدني داخل جمعيات غير حكومية، شباب اختار الابداع بمختلف اشكاله التعبيرية من كتابة وبحث علمي وشعر وموسيقى وفنون تشكيلية ومسرح وسينما ورياضة، شباب اختار الدين لإيجاد الاجوبة عن التساؤلات التي يطرحها عليه وجوده، شباب اختار المبادرة المقاولاتية والمخاطرة الاستثمارية للتعبير عن ملكاته في خلق الثروة الاقتصادية، ثم شباب يعيش على هامش المجتمع من جراء وضعيته الاجتماعية، ينتج عنها غالبا سلوكات تؤدي الى الانحراف والجريمة وتعاطي المخدرات وكذا الى أقصى أشكال الهروب الى الامام كاللجوء الى الانتحار والى الهجرة في أبعادها غير الشرعية والقاتلة. فأمام انعدام دراسات ميدانية شاملة ودقيقة من الصعب جدا معرفة الاهمية الديمغرافية لكل صنف من هؤلاء الشباب على حدة. لكن الاهم من هذا كله هو أن إشكالية الهوية والقيم لدى الشباب العربي خاصة والشباب عامة يوحي بثلاث خلاصات نؤكد مجددا على أهميتها: 1- كلما تحركت الدولة والمجتمع في اتجاه الشباب كلما انخرط الشباب داخل المؤسسات، وآمنو بجدواها، وساهموا في تفعيلها. ويعني هذا المعطى أنه كلما عرضت على الشباب بكل أصنافه فكرة، او قضية، او مشروع جاد، مجدي وواقعي وواعد كلما تملكه الشباب وجعلوا منه فكرتهم وقضيتهم ومشروعهم. 2- العالم العربي وشبابه يمران اليوم بمرحلة دقيقة تحمل العديد من المخاطر والتحديات، بدأت تزعزع هويتهم وتزرع قيما دخيلة على ثقافتهم وحضارتهم. فالنخب العربية والشباب العربي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ان يعي ان العالم سوف لن ينتظرهم. مما يحتم على كافة المكونات الحية للمجتمعات العربية تطوير ثقافة الفعل واليقظة والمشاركة لدى الشباب. 3- ان المؤسسات التي تنتج الهوية والقيم، وعلى رأسها الاسرة والمدرسة ووسائل الاعلام والاتصال، وكذا المؤسسات التي تؤطر الشباب، وعلى رأسها الاحزاب السياسية والجمعات المدنية، مطالبة كل واحدة من موقعها ان تطور لدى الشباب ثقافة الحياة، ثقافة مبنية على المبادرة والمسؤولية والالتزم بقضايا مجتمعه، ثقافة تسلحه بوسائل المناعة الضرورية لصيانة هويته وقيمه الحضارية والثقافية. وهذا ما يتطلب حكامة جديدة للشأن الشبابي قوامها معرفة عميقة لقضايا الشباب، والاستماع إليهم، والاستثمار فيهم، وإشراكهم في العملية التنموية، وتنظيمهم مؤسسيا حول الاختيارات والاوراش الكبرى للمجتمع، وذلك في افق تحويلهم الى نخب المستقبل. ففي هذه الابعاد تكمن الشروط الموضوعية لبناء هوية عربية قوية وقيم مبنية على الحفاظ على القواسم المشتركة للامة العربية وعلى رأسها وحدة اللغة والعقيدة والتراب والمصير.