الخبر يستحق لفت الانتباه إليه... لأنه ليس من عاديات الأخبار عن عاديات الأفعال.....الخبر أورده بلاغ المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الأسبوع الماضي، يفيد بأن الفريق الحكومي للحزب عقد اجتماعا للتداول في المهام الحكومية، وأضاف أن الوزير إدريس لشكر أطلع المكتب السياسي على مجريات مجلس حكومي. ليس من العادة أن نقرأ عن اجتماع الفرق الحكومية لأحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة ( وضمنها الفريق الاتحادي)، لذلك أسجل جدة هذا الخبر في خانة جديد الأداء الحزبي للإتحاد تجاه داخله ومحيطه. يهمنا من الخبر/ الواقعة أن فيه تذكيرا بأن الإستوزار الحزبي، هو انتداب مناضل «لتمثيل» الحزب في الحكومة، وبالتالي فمجموع المنتدبين يشكلون فريقا ملزما، تنظيميا وأخلاقيا، والأهم سياسيا ، بأن يعود للحزب في متعلقات مهمته الحكومية... يمارس في الحكومة بما يقرره الحزب... ويضع الحزب في صورة ما تفعله الحكومة... علما بأن الحزب ملتزم في الحكومة على قاعدة برنامج سياسي متفق عليه بين أطراف بوأها الناخب المغربي موقع الأغلبية ( من حيث عدد الأصوات) وأهلها لتشكيل الحكومة. نستخلص من ذلك... حقن المصداقية في أوصال الحزب والحكومة معا... فلا يكون الحزب مجرد مصعد اجتماعي لمن تمكن من ركوبه، ولا تكون الحكومة مجرد تجمع «للشاطرين» من مروضي أفاعي السياسة... إلى أن يتحولوا هم أنفسهم إلى أفاعي فيها . لا معنى لكل هذا «العرق» الذي يتصبب من المغرب منذ عقود لتطوير «العقد الاجتماعي» إلى التزام بكناش تحملات ديمقراطي... أقرب ما يكون إلى المتعارف عليه كونيا ( أو غربيا فقط).... لا معنى لكل المسلسل الطويل من الحوادث والأحداث و«الحدوثات» التي اخترقت هذا «الانتقال الديمقراطي»... لا معنى لكل ذلك إذا لم ينتج لنا أعمدة البناء الديمقراطي ومشاتل تجدده التي نسميها «المؤسسات»، المؤسسات الديمقراطية... بمواصفاتها وبمضامينها وتقاليدها وبعلاقاتها الموضوعية والتفاعلية مع المؤسسات الرديفة أو المجاورة أو المتقاربة أو السلالية... بحيث يكون الحزب حزبا، المؤسسة الأساس في الدورة الديمقراطية، محصنا ودائم الحيوية لصلة القربى بينه وبين المواطن وليس لمجرد «تجييشه» للناخب... وتنتج عنه مجالس تمثيلية وطنية ومحلية ، ثم بعد ذلك الحكومة التي تتولد عن «المنهجية الديمقراطية»...و هي المؤسسات الديمقراطية التي، بعضها يؤطر و آخر يشرع وبعضها الآخر يدبر، بالحيوية السياسية والشرعية الانتخابية والأهلية «الثقافية»، و هي العناصر التي تضمن استقلالية تلك المؤسسات وتحميها قبل ضمان فعاليتها ومردوديتها على البلاد وعلى الديمقراطية من بعدها. كل هذا الكلام « المدرسي» قادنا إليه خبر اجتماع الفريق الحكومي الاتحادي... وما كنا لننقاد له لو لم يكن في الواقع الحالي ما يوجب ذلك. ما سر هذه «الهشاشة » التي تبدو عليها مؤسساتنا الحزبية، التمثيلية و الحكومية... أولا أمام بعضها البعض ...بحيث يبدو الحزب ضامرا بعيدا عن الحكومة، و الحكومة حيرى في البرلمان تتجاذبها فيه الأغلبية و المعارضة معا و قد ضاعت الفواصل بينهما، جراء «لخبطة» تحالفات ( أو مشاريع تحالفات ) فاقدة للبوصلة المؤسساتية و بالتالي السياسية...و تبدو هشة ، ثانيا، في توصيف المرحلة، هل لانزال في توافقات «الإنتقال» الديمقراطي و ما تفرضه من مراعاة و تفاهمات بين الفاعلين السياسيين...أم غادر الإنتقال انتقاليته و دخلت السياسة إلى الفضاءات العارية في التاريخ و ما يتستوجب ذلك من فطام عن لبن «التوافقات» و غض الطرف المتبادل...و بالتالي تخليص العمل السياسي من مناطق الظل و الممرات الغائمة..إلى الوضوح في العلائق بين المكونات السياسية و هي تتبارى، من منطلق المشترك الوطني، على من الأفعل في إبداع المستقبل...و ثالثا، تبدو ، مؤسساتنا الديمقراطية صاغرة أمام «الخطاب» الرفضوي، الشعبوي و الانتقائي، المجرد من كل شرعية تمثيلية و من كل مصداقية سياسية و من كل رجاحة فكرية... و الذي ينتشر في « هواء» السياسة، و يضاعف من «نفاثاته» عبوره على ألسنة و أقلام و ترددات مناضلي أحزاب الأغلبية نفسها و بعض قادتها و بعض صحفها... في ما يشبه تداعي جماعي للتزحلق على التضاريس المتداخلة ما بين الأغلبية و المعارضة ، بحيث تنتفي الفواصل بين الموقعين و بين مقامات «المقالات»...فتسود « الشوشرة» و إغراءات الجمل الشعبوية على خطاب العقل و الأمل و العمل. لتلك الوضعية تفسيرات متعددة، أو مسببات عدة...يهمني أن أقف عند أمر أتصوره مؤثرا. في الأمر استحقاق 2012 ... يقدمه البعض ... و البعض فيه الكثير من ما يسمى « المحللون السياسيون» و أكثرهم «يحرم» و لا يحلل... استحقاق 2012 يقدم بتهويل، كما لو أنه لحظة نهاية غير سعيدة للأحزاب المشاركة في الحكومة و أيضا للسياسة عامة، و ربما للبلد برمته و أهل البلد أجمعين. تهويل يتكرس فوبيا سياسية تنتج انفلات «الأعصاب السياسية» و القيام بحركات «لا إرادية» . تلك «الفوبيا» من موعد 2012، مصدرها «خطاب» تبخيس المنجزات و تضخيم النواقص و الخصاص...خطاب عليه تؤسس فرضية التصويت العقابي للشعب «الغاضب» . وبالتالي، يحذر من التماهي مع سياسات الحكومة و الدفاع عنها اتقاء لغضب الشعب يوم الحاجة إلى رضاه... و هو زعم يكرسه تردد الأغلبية الحكومية في تبني منجزاتها و الصدح بها و الإعتزاز بها، وفي فتور تضامنها و ضعف تماسكها و في مغازلات لمكونات سياسية من خارجها... بوهم الاستقواء بها لحظة الحسم، يوم الوعد سنة 2012 . كل هذا لا يحصن المسار الديمقراطي ... بتمنيع مؤسساته و تخصيب فعاليتها و إنتاج ثقافتها. ربما حيرة الإمساك بناصية استحقاق 2012 ، أنست المشاركين في الحكومة، أحزابا و صناع رأي وإعلاما، أنهم في الموقع الصح ، منتوج المنهجية الديمقراطية، و أنهم منغمرون في إنجاز أوراش هيكلية عميقة و طويلة المدى... أوراش تهم أساسات الوطن ... من تعليم و فلاحة و طاقة و بنيات تحتية و عمران و صحة و اقتصاد و تكنولوجيا المعرفة و الإعلام... وهي أوراش ، اليوم، الوطن قيد التفكير في بلورة روافعها الجهوية بما يكرس الديمقراطية في بعدها الوطني، المركب من تمثيلية الجهات و تعبيرات الفئات و قرار الأصوات. و بما يقوي و يطور مؤسساتها، من الحزب إلى الحكومة .هذا ما ينبغي أن يشغلهم و يستفز حماسهم و ترتفع من أجله أصواتهم...و تتكتل من أجله جهودهم. لايستحق الوطن أن نبدد طاقات بنائه في ما لا يزيد من تقدمه.