عقد حزب الاتحاد الاشتراكي مؤتمره التأسيسي بإقليم سيدي بنور في إطار الدينامية التي تعرفها خريطته التنظيمية ، و بما أن المناسبة شرط ، فإن مناضلي الحزب بهذه المنطقة التاريخية اشتغلوا على أوراق توثيقية تمس الجوانب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية .. كل هذا يؤشر على أن البوصلة السياسية التي تحكم الآلة التنظيمية متماهية مع الاستراتيجيات المضبوطة التي تميز عمل حزب مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و القادرة على التحليل و التفكيك الموضوعي للجغرافيا التي يشتغل عليها التنظيم محليا ، إقليميا و جهويا .. تم إحداث إقليم سيدي بنور بمقتضى المرسوم الأخير الصادر في شان التقسيم الإداري للمملكة.و كان قبل إحداثه يشكل جزءا من إقليمالجديدة قبل التقسيم الأخير بجهة دكالة عبدة. وقد عانت منطقة سيدي بنور كثيرا من التهميش والإقصاء ، إذ كان اهتمام المسؤولين وعنايتهم وتوجهاتهم وما يخطط ويبرمج من مشاريع تنموية يغدق بغير حساب على الشريط الساحلي والواجهة البحرية الممتدة من شمال غرب إلى الجرف الأصفر في تناس وتجاهل كبيرين للعمق الدكالي. ولم يكن حرصهم يتجاوز سقف التحكم السياسي وضبط الخريطة السياسية عليها مما انعكس سلبا على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. الوضع السياسي.. ينعقد المجلس التأسيسي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، في سياق يحمل العديد من التحولات والمتغيرات سواء على مستوى المشهد الحزبي باعتباره آلية للممارسة السياسية أو على مستوى إعادة ترتيب الأولويات وبلورة الاختيارات وكذلك من خلال سيرورة إنتاج وتصريف القرار السياسي محليا ووطنيا . يصادف هذا المؤتمر التأسيسي الذكرى الخمسينية لميلاد الحركة الاتحادية بكل حمولتها الرمزية والنضالية والتي تجعل خدمة المغرب والمغاربة فوق كل الاعتبارات . من المؤكد أن بناء تنظيم حزبي اتحادي بالمنطقة لم يحد عما عاشته تنظيمات الاتحاد بباقي أقاليم وجهات البلاد ، في ظروف وسياقات لم تكن أبدا بالهينة، بل اتسمت بالمحاصرة الصريحة والممنهجة والقمع الشديد والشرس من لدن الجهاز الإداري السلطوي إلى حد اعتبرت معه منطقة دكالة بطبيعتها القروية خزانا لفبركة كائنات انتخابية اعتمادا على امتيازات الريع الإقتصادي والفساد السياسي المرتكز على هيمنة الأمية والجهل والفقر رغم غنى وتنوع المؤهلات الاقتصادية وخاصة الفلاحية . وقد واجه الاتحاديون في فترات عصيبة وبإمكاناتهم المحدودة اعتمادا على مصداقية وصدقية خطابهم السياسي آلة الإفساد وتمكنوا في العديد من النقط بهذه الجغرافيا من تعبئة رأي عام مناصر وقف شاهدا على كل عمليات التزوير العلني لإرادة الناخبين مازالت امتداداته قائمة حتى اليوم باعتبار شبكة الكائنات الانتخابية الراسخة والمستعصية على المقاومة بعدما تمكنت عناصرها من شرايين السياسة والاقتصاد في المنطقة على مر العقود الماضية . إن الحديث عن الفعل السياسي لا يمكن أن ينفصل عن الجانب الحقوقي وعن الحريات وإذا كان الأول قد دخل إلى مأزق العزوف والنفور بعد كل هذا الماضي واستمرار تجلياته، فإن الثاني قد يشكل استثناء باعتبار توسع هامشه وطنيا وتدني مستواه محليا، حيث شيوع الرشوة والمحسوبية وهضم وضياع الحقوق، وتراكم الملفات القضائية واستقواء لوبيات الفساد الإداري والسياسي وتسخير ميليشيات تزعزع أمن المواطنين وطمأنينتهم . يعتبر العمل السياسي فضاء للعقل وللأفكار، وميدانا لتدبير المجال العمومي، ولا يمكن لأي عمل سياسي أن يتنصل من هذه القواعد التعاقدية المبنية على مقارعة الأفكار والحجج والمقاربات والمشاريع. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أدى ثمنا باهظا مقابل ثباته في المطالبة بفتح المجال العمومي لتنافس الأفكار ولممارسة السياسة لدمقرطة الدولة والمجتمع وتحقيق التطور والتقدم رغم تعقد الصراع الاجتماعي والسياسي الذي طوق حزبنا بأسئلة صارمة تخص مستقبل البلاد. إن الاستعداد لعقد هذا المجلس التأسيسي مبني على قاعدة الوحدوية والديمقراطية في التداول والنقاش واتخاذ القرارات من أجل إخراج جهاز حزبي في مستوى متطلبات المرحلة ، و ذلك من خلال الرفع من قدرة الحزب على امتلاك رؤية واضحة المعالم تستشرف آفاق المستقبل. إن العزوف عن العمل السياسي أضحى من ضمن ابرز الاختلالات العميقة المتحكمة في المشهد السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة ، وإذا ما استحضرنا أن المشاركة السياسية متى توافرت شروطها ومقوماتها بصفتها إحدى الركائز التي تنبني عليها الديمقراطية تكون بمثابة تعبير عن المواطنة ، وتعد شكلا من أشكال المساهمة في تدبير الشأن العام وممارسة الحقوق السياسية والتعبير عن الآراء والميولات ، فإن هذا العزوف في شكله المغلف بالوعي المرتبط بمواقف واضحة من العمل السياسي أو الحزبي أو في مظهره المنطوي على الجهل بأمور السياسة وما يتعلق بها من انتخابات وتحزب، يجد أساسه في العديد من الاكراهات الاجتماعية والسياسية المتراكمة التي عرفها المغرب والتي تنفر من العمل السياسي ، فيما يعتقد البعض بأنه ردة فعل طبيعية إزاء أداء الأحزاب المشاركة في الحكومة الذي ظل دون وعودها وشعاراتها ودون طموح المواطن ، وموقف واضح من المؤسسات أثبتت أنها غير قادرة بصلاحياتها الدستورية المحدودة على بلورة قرارات سياسية كبرى تروم التغيير والإصلاح الحقيقيين . وإذا كانت بعض القوى ( أحزاب- هيئات المجتمع المدني - مثقفون -باحثون - إعلام -.....) تحمل للمواطن لوحده المسؤولية في هذا العزوف باعتباره يفوت الفرصة في تغيير واقعه ، فإن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن مسؤولية تفشي هذه الظاهرة جماعية ، فالدولة أسهمت من جانبها في التنفير والتخويف من العمل السياسي بشكل عام ( تقرير الخمسينية ) والتحزب كان يعتبر حتى وقت ليس بالبعيد جرما ، هذا بالإضافة إلى تورط أجهزتها - الدولة - في كثير من الأحيان في تزوير الانتخابات وإضعاف الأحزاب الحقيقية والإسهام في انشقاقاتها حتى أصبحنا أمام مشهد سياسي مبلقن لا يعكس بالضرورة اختلافات مذهبية أو إيديولوجية . ومن جانبها تتحمل بعض الأحزاب السياسية بدورها مسؤوليتها في هذا الإطار فقد ظل حضورها مرحليا وموسميا ومرتبطا بالانتخابات فقط ، ولم يلاحظ أي تطور على مستوى أدائها السياسي في علاقته بتأطير وتنشئة وتعبئة المواطنين باعتبارها من المهام الأساسية للأداة الحزبية ، ناهيك عن غياب الممارسة الديمقراطية الداخلية لدى الكثير منها بما يسمح بتجديد النخب . الانتخابات الجماعية الأخيرة ليوم لم تسلم من الغش والتدليس والتزوير، وتنافست فيها أحزاب ببرامج يغلب عليها طابع التشابه والمبالغة ، و تعتريها مجموعة من الشوائب تتجلى في عشوائية التقطيع الانتخابي أحيانا والمتحكم فيه أحيانا أخرى بناء على مصلحة السلطة الإدارية التي تسعى إلى تسهيل الفوز للمحافظين على امتيازاتها ، كما أن اللوائح الانتخابية تتخللها عيوب وشوائب رغم محاولة المعالجة المعلوماتية لها . ومن أجل تجاوز المعيقات التي تحول دون تأهيل العمل السياسي لابد من العمل على جعل الجماهير ملتئمة وملتفة حول أفكار وتصورات وليس حول أشخاص وجماعات ، ويكون الحزب في هذه الوضعية هيأة حية ومبادرة ومستقطبة ، مع إشراك المواطنين والاحتكام إلى الشرعية الديمقراطية ، وقيم النزاهة والاستقامة و تغيير نمط الاقتراع ومراجعة قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات، بما يمكن من الحد من تأثير المال الحرام وشبكات الفساد وظاهرة الترحال السياسي ومن أجل فرز - أيضا - مشهد سياسي قائم على أغلبية منسجمة ومتضامنة، ومعارضة قوية وبناءة على أساس تحالفات سياسية واضحة تمكن بدورها من وضع حد لعدد من مظاهر الخلط والالتباس التي تتسم بها حياتنا السياسية ، مع العمل على إلغاء الغرفة الثانية التي تعتبر خزانا لصناعة الفساد السياسي و التحكم في الخريطة الانتخابية . إن هذا الوضع السياسي يكاد يكون معمما وموحدا على صعيد كل الجهات و مع بعض الاستثناءات والخصوصيات . وبما أن إقليم سيدي بنور خرج من رحم إقليمالجديدة بإعلان رسمي من وزارة الداخلية مساء يوم الخميس 22 يناير 2009 فإن المتتبع للشأن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يستخلص أن الإدارة كانت تركز اهتمامها على الشريط الساحلي وتهمش المناطق الداخلية من إقليمالجديدة سابقا بالرغم من أن سيدي بنور تعتبر عاصمة دكالة وهي المزود الرئيسي للجديدة والدار البيضاء ومراكش وأكاد ير من المنتجات الفلاحية والحيوانية.