بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    مضيان يقود لائحة كبار المغادرين لقيادة حزب الاستقلال وأدمينو أبرز الملتحقين    مغاربة ينعوون وفاة الفنانة نعيمة المشرقي: فنانة محترمة وماخذات حقها فالساحة الفنية (فيديو)    أخنوش: المغرب يعزز قيم الفرنكوفونية    التعادل يحسم مباراة الحسنية والوداد    عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    هكذا علقت هولندا على قرار المحكمة الأوروبية وعلاقتها بالمغرب    منتخب U20 يواجه فرنسا وديا استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في سرقة مبلغ مالي مهم من داخل محل تجاري    رغم تراجعه عن مطالبته بوقف تسليح إسرائيل.. نتنياهو يهاجم ماكرون: سننتصر معك أو من دونك وعارك سيستمر لوقت طويل (فيديو)    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    عطل تقني يعرقل حجز التأشيرات.. وأصابع الاتهام تتجه إلى السماسرة    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية        إنزال كبير لطلبة كليات الطب بالرباط في سياق الإضرابات المتواصلة -فيديو-    محكمة تغرم مجلس جماعي 5 مليون لفائدة سيدة تعرض لهجوم كلاب ضالة    حزب الله: التواصل مع صفي الدين "مقطوع"    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    بلجيكا من دون دي بروين ولوكاكو أمام إيطاليا وفرنسا    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة        "احذروا".. زخات رعدية قوية مصحوبة ب"التبروري" وبهبات رياح غدا الأحد بعدد من المناطق        مجلس جماعة امطالسة يصادق على ميزانية 2025 وتمويل اقتناء عقار لاحتضان مركب للتكوين في المهن التمريضية    "لا يقول صباح الخير".. لويس سواريز يهاجم مدرب المنتخب مارسيلو بييلسا    التوقيع بالجديدة على إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون المغربي الفرنسي في قطاع الخيول    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        البكوري: عملنا يستند على إعمال مبدأ القانون في معالجة كل القضايا مع الحرص على المال العمومي    رسالة بنموسى في اليوم العالمي للمدرس    جيش إسرائيل يقصف مسجدا بجنوب لبنان    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى    شركات يابانية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لتعويض نقص العمالة    السكوري يُطلق منصة رقمية لخدمة التشغيل    من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية    "أطباء لبنان" تطلق نداء عاجلا لوقف "مجزرة" إسرائيل بحق الجهاز الصحي        هيئة: أكثر من 100 مظاهرة في 58 مدينة مغربية تخليدا للذكرى الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تصلح التجربة الإسبانية نموذجا للجهوية الموسعة بالمغرب؟

شكل موضوع الجهوية أحد المداخل الأساسية لإعادة البناء المؤسساتي للدولة الغربية ولمفهوم الديمقراطية لما بعد الحرب العالمية الثانية خاصة في البلدان التي عرفت أنظمة شمولية في الفترة ما بين الحربين العالميتين (ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا،البرتغال).
فهذا المفهوم ليس جامدا، بل هو مرتبط بسياقات مختلفة وبتجارب متعددة، مرتبطة بكل بلد على حدة. من هنا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصية السياق التاريخي المغربي في بلورة مشروع الجهوية الموسعة. ورغم ذلك يمكن القول إن هذا المفهوم تحدده ثلاثة أبعاد أساسية:
البعد التاريخي والثقافي، هو الذي يجعل من الجهة مكونا من مكونات الهوية الواحدة للأمة، ويعتبر هويته الخاصة مصدرا لقوة وغنى الدولة، فهو بشكل من الأشكال استنساخ لمنطق جدلية وتكامل الكوني والخصوصي.
البعد السياسي هو الذي يجعل من الجهة مدخلا لإعادة النظر في البناء المؤسساتي للدولة ويجعل من توزيع الاختصاصات بين المركزي والمحلي أداة لإعادة بناء توازن جديد للسلطة السياسية ووسيلة لإشراك أوسع للنخب السياسية في تدبير الشأن العام.
البعد الاقتصادي وهو الذي يضع الجهة في موقع الرافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. فمنذ قمة الأرض في ريودي جانيرو سنة 1992 أضحى مفهوم التنمية المحلية جوهريا في مقاربة التنمية الاقتصادية الشاملة.
هذه الأبعاد هي التي اعتمدتها إسبانيا في تطبيقها للجهوية كما هي متعارف عليها اليوم.
السياق التاريخي للجهة باسبانيا
ارتبطت اللامركزية بإسبانيا بتحقيق الديمقراطية، نظرا للتخوف من عودة الدولة الموحدة إلى الديكتاتورية مرة أخرى، فكان من الطبيعي تقسيم السلطات لضمان التوازنات السياسية، وقد كانت الخيارات المتوفرة في إسبانيا آنذاك إما أن تتوفر على نظام إقليمي: يعتمد على نواة مركزية كبيرة ومنطقتان أو ثلاث مناطق ذات حكم ذاتي مستقل لها حكومتها وبرلماناتها وسلطاتها القانونية والقضائية الخاصة بها، أو توفرها على نظام فيدرالي تكون فيه لكل منطقة على حدة استقلالها الكامل. ولقد كان لهذين الخيارات مصيرهما الرفض، لأن اليمين لم يقبل بالنظام الإقليمي، ولأن النظام الفيدرالي لم يستطيع الاستجابة لمختلف الرغبات القومية، بالإضافة إلى أنه لم تكن جميع أجزاء الإقليم راغبة في الحكم الذاتي، فكانت الدولة الجهوية نوعا من الإجابة الشمولية، استطاعت إسبانيا من خلالها أن تعتبر واحدة من أكثر الدول تقدما في السياسات الجهوية ليس فقط بالمقارنة مع الدول الأوروبية الموحدة، بل حتى بالمقارنة مع معظم الدول الفيدرالية، حيث تتمتع المجموعات المستقلة بسلطات هامة على المستويات الثلاث: التشريعية، التنفيذية والقضائية، بل حتى المالية.
الضمانات الدستورية
والقانونية للجهة في إسبانيا
شكل الدستور الإسباني لسنة 1978 محطة تاريخية مهمة في مسار إسبانيا، حيث جعل منها دولة اجتماعية ديمقراطية قائمة على القانون، تؤمن وتدافع عن الحرية، العدالة، المساواة، والتعددية السياسية كقيم عليا لنظامها. كما نظم التقطيع الترابي بشكل متميز وفق بين خصوصيات كل إقليم على حدة ووحدة الدولة، حيث جعل من المجموعات المستقلة وحدات تتمتع بالاستقلال الذاتي في تسيير مصالحها وفقا لقانونها الأساسي التي تسهر بنفسها على تشريعه قبل موافقة السلطة المركزية عليه.
تنظيم الجهة واختصاصاتها
يحدد الفصل 149.1 اختصاصات الدولة. هذه الاختصاصات التي تضطلع بها فقط الدولة المركزية في المجالات التي تعتبر سيادية نذكر منها: 1 الجنسية، الهجرة، حق اللجوء السياسي، 2 العلاقات الخارجية، 3 الدفاع والقوات المسلحة، 4 الإدارة القضاء، 5 التشريع الجنائي والتجاري والمدني وقانون الشغل، 6 نظام الجمارك والتجارة الخارجية، 7 النظام النقدي والمؤسسات البنكية ومؤسسات التأمين، 8 المالية العامة ومديونية الدولة، 9 - الصحة والسياسة الصحية الخارجية، 10 نظام الضمان الاجتماعي، 11 الصيد البحري. أما اختصاصات المجموعات المستقلة فيحددها الفصل 148.1 من الدستور الاسباني نذكر منها:
1 تنظيم مؤسسات الحكم الذاتي 2 التنظيم البلدي في مجال تراب المجموعة المستقلة 3 إعداد التراب والتعمير والإسكان
4 الاستغلال الغابوي وتدبير حماية البيئة 5 التنمية الاقتصادية للمجموعة المستقلة وضرورة ملاءمتها مع السياسية الاقتصادية الوطنية 6 الصناعة التقليدية 7 الصحة.
وقد نص الفصل 148.2 من الدستور الإسباني على أنه يمكن للمجموعات المستقلة أن تمارس اختصاصات تفوق ماهو منصوص عليه في الفصل 148.1 على أن لا تتعدى اختصاصات الدولة المنصوص عليها في الفصل 149 . 1.
كما يمكن للدولة أن تفوض جزءا من مهامها للمجموعات المستقلة و إمدادها بالإمكانيات المالية لممارسة هذا التفويض ) الفصل 150.2)، وفي حالة تداخل الاختصاصات بين الدولة المركزية والمجموعات المستقلة فيعهد للمحكمة الدستورية لحسم النزاع.
إن اختيار النموذج الإسباني باعتباره الأقرب للسياق التاريخي للتجربة المغربية ليس فقط من جانب القرب الجغرافي، بل أيضا من ناحية تعدد مكونات الهوية الوطنية لا يعني بأي حال من الأحوال السعي إلى استنساخه، بل فقط إدراكه و تمثله بغية الاستفادة منه خاصة، وأن التجربة الإسبانية تبقى رائدة في الربط بين الديمقراطية والجهوية والإقلاع الاقتصادي. وإذا كان من الصعب إرجاع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها إسبانيا خلال العقود الثلاثة الأخيرة كليا إلى عامل الجهوية، فالمِؤكد أن هذا الاختيار الاستراتيجي كان حاسما في الحفاظ على وحدة الدولة الإسبانية ونجاعة سياساتها الاقتصادية والتنموية.
إن إسبانيا التي اختارت النظام الجهوي كخيار سياسي عبر إقرار نوعين من الجهات: الجهات التاريخية متمثلة في الأندلس، كتالونيا، غالسيا و الباسك وجهات إدارية أخرى، قد استطاعت أن تقفز قفزة نوعية وتجعل من الدولة الإسبانية دولة موحدة ملكية دستورية ديمقراطية بالرغم من التنوع العرقي والثقافي، وبالرغم من النقاش الحاد الذي طرح حول طبيعة الدولة في إسبانيا إلا أن هذه الأخيرة استطاعت الإحاطة به وإرضاء جميع الأطراف المعنية، وبالرغم من اعتبار النموذج الجهوي الإسباني هو الأقرب للمغرب، فإنه لا يمكن تطبيقه، نظرا للخصوصيات التاريخية، الثقافية، السياسية والعرقية، بل الاستفادة منه خصوصا أن إقرار دولة المجموعات المستقلة بصلاحيات واسعة كان من الدعمات والأسباب التي ساعدت على تطوير وازدهار إسبانيا على كافة المستويات، لأن تحقيق التنمية المحلية والجهوية لا يمكن أن يمر إلا عبر دمقرطة مؤسساتها وانتخاب أجهزتها بشكل مباشر يضمن للمواطنين حرية اختيار ممثليهم في مؤسسات الدولة والجهات التي ينتمون إليها.
استنتاجات
إن كل إصلاح سياسي ومؤسساتي للدولة لا يمكنه أن يقفز على هذا المفهوم، بل يستلزم تحضيرا استثنائيا وشموليا ضمن مخطط استراتيجي، يعيد النظر في مجموعة من الأسس التي ينبني عليها التنظيم الإداري في المغرب بصفة عامة ونمط التدبير المحلي والجهوي على وجه الخصوص. يتعلق الأمر إذن بضرورة القيام بتعديل دستوري وإعطاء الجهة الإطار القانوني الأنسب لها مع انتخابها بالاقتراع العام المباشر.
إن المغرب بطرحه لمشروع الحكم الذاتي قد فتح الباب أمام ملاءمة التنظيم الإداري والسياسي للدولة مع توجه عام يخترق جل المجتمعات الديمقراطية ويفرض عليه عدم إمكانية الرجوع إلى مفهوم الدولة المركزية الواحدة، كما يفتح الباب أمام تنظيم شمولي يقطع الطريق أمام التقابل المحتمل بين دولة مركزية وجهة واحدة تتمتع استثناء بالحكم الذاتي.
(*) باحثة بالجامعة الدولية للأندلس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.