يتوفر مغرب اليوم على خمسين قاعة سينمائية. هو ثلث العدد الذي كان للمغرب سنة 1955 . الأرقام الحالية المتوفرة ضمن الموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي تتوزع على الخريطة الوطنية بهذا الشكل: مدينة الدارالبيضاء، الشاسعة بأحلامها ومشاكلها، تحتضن فقط اثني عشر قاعة سينمائية، ضمنها أربعة عشر شاشة بمركب ميغاراما وثلاث بسينما إيدن كلوب، سبع قاعات بمراكش (عاصمتنا السينمائية الدولية) صمنها تسع شاشات بمركب ميغاراما. خمس قاعات بفاس ووجدة، أربع بالرباط، ثلاث بمكناس، قاعتان في كل من أكاديروتطوان وسلا وطنجة وقاعة واحدة بكل من تطوان وأصيلا والعرائش وسطات وتزنيت. وحتى لا تضللنا هذه الأرقام فغالبية القاعات لا تتوفر على الشروط الدنيا (التقنية والصحية)، بل إن منها من يتعرض للتلاشي يوما بعد يوم. هذا دون الحديث عن المدن والقرى التي لم تعرف السينما منذ الاستقلال إلى اليوم. هذا الوضع الكارثي يطرح علينا ضرورة التأمل والسؤال، بحيث ينبغي التأكيد على أن المشاهدة، مثل القراءة، لابد أن تتأثر بسياق العصر الحديث حيث الفضائيات والحواسيب توفر خدمات أساسية، ضمنها مد عشاق السينما بأحدث الأفلام. كما أن القرصنة تلغي فكرة القاعة أساسا وتمنح المرء، لحسن الحظ أو سوئه، متعة أن يشاهد الفيلم بثمن بخس. ولابد أن يؤخذ هذا المعطى باعتبار خاص. ينبغي التأكيد كذلك على أن رهان التوفر على قاعات يعني لقاء الثقافة بالمال والأعمال، ومعناه أن المستثمرين في هذا الاتجاه يسعون الى الربح، وحين لا يتحقق لهم المسعى يتحولون إلى المجالات المنمية للرأسمال. من هنا وجب تطويق المشكل. نورالدين الصايل، رئيس المركز السينمائي المغربي أعلن في حوار سابق مع «الاتحاد الاشتراكي» (العدد 9386، 28يناير2010) عن ثلاثة قرارات تم اتخاذها خلال الاجتماع الأخير للمجلس الإداري للمركز، باتفاق مع الوزارة الوصية على القطاع: - استرجاع كل القاعات الصغيرة بالمدن، وذلك من خلال إشراك المجالس البلدية والجماعات والمقاطعات الحضرية في عملية الإصلاح. -العمل على تحويل القاعات السينمائية الكبرى إلى مجموعة من القاعات (بحمولة 150 مقعداً)، على أن تتم هذه العملية بمساعدة الدولة، وذلك على شكل تسبيق، شبيه بعملية التسبيق على الإنتاج. - خلق مركبات سينمائية على شكل ما هو متواجد بكل من الدارالبيضاء ومراكش. تفترض هذه الإجراءات انخراط المؤسسات المنتخبة في دينامية الإصلاح ووعيها بأهمية الثقافي في مسار التنمية الاجتماعية، والحال أن واقع بعض هذه المؤسسات وطبيعة تكوينها يعطل الطموحات. كما أن البعض الآخر قد يتصور ورش السينما ليس ضمن الأولويات المستعجلة. وتبقى فكرة إنشاء صندوق وطني للاستثمار في هذا المجال كفيلة بتحقق الإجراء الثاني. أما المخرج السينمائي سعد الشرايبي فيصوغ، في العدد 411 من مجلة «تيل كيل» (13، 19 فبراير2010) خمسة اقتراحات تبدو عملية على مستوى التخطيط قريب المدى. يرى الشرايبي ضرورة: - تجهيز المركبات الثقافية المتواجدة بالبلاد بآليات العرض السينمائي بغلاف مالي يساوي 35 مليون درهم لعرض الأفلام المغربية، وذلك في إطار الشراكة بين وزارة الاتصال من جهة ووزارة الثقافة والمجالس المنتخبة من جهة اخرى. - اقتطاع مبلغ عشرة ملايين درهم سنويا من الغلاف المالي المخصص لدعم الإنتاج السينمائي، وسيسمح هذا المبلغ بتجديد خمس قاعات كل سنة. - استئناف البرنامج المسطر سنة 2002 من طرف وزارة الشبيبة والرياضة، المتوقف سنة 2005، القاضي بتجهيز دور الشباب بآليات العرض غير المكلفة لتعميم المشاهدة عن طريق الأقراص المدمجة. - توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الاتصال ووزارة السكنى تدرج ضرورة بناء قاعة متعددة الاختصاصات ضمن دفتر التحملات المتعلق بكل ترخيص لبناء المركبات السكنية التي يتعدى سكانها ألف نسمة. - إقرار ضريبة خمسة دراهم على كل قرص مدمج مستورد. العدد الإجمالي لهذه الأقراص سنويا، يوضح الشرايبي، هو ثلاثين مليون.أي أن هذه الضريبة ستوفر مبلغ 150 مليون درهم تصرف، في جزء منها، على تمويل الإجراءات المعلنة والإسهام في مكافحة داء القرصنة. بموازاة مع هذه الاقتراحات من الواجب أن يتم العمل كذلك على إقرار إجراءات إضافية لتشجيع الخواص على الاستثمار في هذا المجال. ويمكن في هذا الإطار سن امتيازات جبائية مثلما فعلت الدولة، في زمن ما مع المنعشين العقاريين، كما يمكن أن تنخرط المؤسسات الاقتصادية الكبرى في بناء قاعات خاصة مثلما يتوفر على ذلك بعض المؤسسات الكبرى كالمركز الشريف للفوسفاط وبعض المراكز الثقافية الأجنبية. وفي نفس الإطار لابد أن تنتعش، داخل دور الشباب والمؤسسات التعليمية، فكرة الأندية السينمائية حيث يمكن اقتسام الصورة بوسائل بسيطة جدا، مثلما يمكن للتربية أن تكون استثمارا فعليا في المستقبل. هذه بعض المقترحات التي يمكن أن تجعل الدولة والمجتمع منخرطين في المعالجة وفق مبدأ الاستثناء الذي يميز الثقافي برعاية الدولة والخواص، ويناهض فكرة أن يتحول المنتوج الإبداعي إلى سلعة. آنذاك سنحل الخلل القائم بين تحقق مكتسبات أساسية من قبيل رفع سقف دعم الإنتاج الذي بلغ سنة 2009: 52.050.000 درهم، وتطور الإنتاجية وتنامي التصوير الأجنبي في المغرب وتقدم فكرة المهرجانات الوطنية والدولية، وبين تقلص عدد القاعات السينمائية. وإلا فسنترك الأمر للسوق بوحشيته وجشعه لتصبح مدننا موحشة هي الأخرى، مسكونة بالإسفلت، وسترمى الأفكار الجميلة بخصوص حقنا في المتاحف ومعارض التشكيل وقاعات السينما والمكتبات إلى المزابل. ما ينقصنا ليس المال أو الأفكار، بل الإرادة.