. إن اقتصاد السوق بدون منافسة اليوم، وبعد معركة طويلة، انتصر اقتصاد السوق على منطق التأميم وتوجيه الدولة، وحتى الدول الشيوعية مثل الصين عادت إلى اقتصاد السوق، ومبدأها بسيط لكنه اثبتت فعاليته على كل المستويات، فالمنافسة تسمح بالإنتاج بأقل تكلفة لكي تبيع بأفضل سعر وتلبية حصة متزايدة من الرغبات البشرية، والسوق اليوم أصبح حقيقة كونية، في كل مكان ينتج الناس ويتبادلون يبيعون أو يشترون ويراقبون منافسيهم في السوق حتى لا يفقدوا زبائنهم. ورغم العديد من الإكراهات والتقلبات، فإن التاريخ الإقتصادي يبدو كتاريخ للانتشار التدريجي لآليات السوق على مجموع الاقتصاد العالمي، وفي هذا السوق الكوني، توجد رؤوس الأموال والبضائع والخدمات وحتى الأجراء في وضعية منافسة شاملة، وهذا التقدم هو الذي سمح لعدد متزايد من البشر بالاستفادة بدورهم من امتيازات النمو الاقتصادي. هذا النجاح لاقتصاد السوق غالبا ما يحسه الرأي العام بنوع من الامتعاض فهو يدفع الشركات إلى نقل انتاجهم إلى مناطق أخرى حتى تستفيد من امتيازات الأجور الضعيفة المطبقة في الاقتصاديات الناشئة، ودخول الصناعات في المنافسة مع منتخبين جدد بعيدين، يقلص من قدرة السلطات الوطنية على المراقبة. فهي تفرض عليهم التحرير من أجل مدونة أكبر، والإصلاحات هي السبيل الوحيد لمقاومة هذه المنافسة الجديدة في إطار انفتاح المبادلات، هذه الإصلاحات تفرض بعض التضحيات لكن المقابل هو انخفاض أسعار العديد من المنتوجات التي أصبحت تصنع حيثما كانت رخيصة. والجميع يستفيد من ذلك، المستهلك والأجراء في الدول الناشئة الذين أصبح بإمكانهم الخروج من الفقر المطلق الذي كان نصيبهم اليومي. واقتصاد السوق الذي أصبح النموذج الكوني الوحيد، هل سيحكم باسم حرية التبادل وحرية المنافسة، على الدول بالعجز؟ ليس بالضرورة. لأن هذه المنافسة بحاجة - من بين مفارقات عديدة - إلى قواعد لكي تتطور. فبدون مؤسسات سياسية وبدون مراقبة وضبط الدولة، قد يقضي اقتصاد السوق على نفسه حسب صورة معروفة لدى الاقتصاديين، فغياب مراقبة وتنظيم الدولة سيؤدي الى تعميم أقطاب ضخمة ستملي قوانينها الخاصة على منافسيها الذين سينقرضون تدريجيا وينقرض معم اقتصاد السوق... وقد انتبهت الولاياتالمتحدة والدول الأوربية لذلك وأصدرت قوانين تسمح بتفادي تمركز الشركات التي تعتبر تمركزات معيبة لأنها تهدد اقتصاد السوق. لكن يجب الاحتياط من الدفع بمنطق الضبط والتنظيم إلى أبعد مدى حتى في مجال ممارسات المنافسة. فإذا فإن اقتصاد السوق بحاجة إلى قواعد لكي يعمل بفعالية، فهذه القواعد هي أولا قواعد قانونية - بمعنى احترام مفاهيم أولية مثل السرقة أو الكذب أو اللجوء الى الإكراه لانتزاع موافقة أو قبول الغير، وفوق كل شيء يرتكز اقتصاد السوق على احترام حقوق الملكية وهي مفهوم أ ساسي لضمان الاستقرار المؤسساتي الذي يحتاجه الفاعلون للقيام بمبادلاتهم بحرية. ولهذا يجب الحذر في استعمال سلطة وضع وتغيير القانون لأهداف تنظيمية، فالمبالغة في التنظيم قد يكون مضرا أكثر من الغياب الكلي للتنظيم، وهذا أحد الدروس التي يتعين استخلاصها من الأزمة المالية العالمية الأخيرة. فاقتصاد السوق لا يمكن أن يأتي بكل الفوائد التي يصفها الاقتصاديون إلا إذا كانت سلطة الدولة التنظيمية وقدرتها على مطالبة الفاعلين بالالتزام بعدد من القواعد المفروضة من طرفها، تبقى محصورة في حدود معقولة. فالشطط في سلطة التنظيم يمكن أن يقتل اقتصاد السوق.