رغم كل ما يقال عن العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وتركيا، فإن هذه العلاقة تتراجع بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة. وإذا كان من الصعب قياس حجم التراجع في العلاقات السياسية أو العسكرية المجردة، فإن بالوسع اعتماد نتائج المشتريات التركية من الصناعات العسكرية الإسرائيلية. وتشير هذه النتائج بوضوح إلى أن المشتريات العسكرية التركية من إسرائيل تراجعت من حوالى مليار دولار سنوياً منذ مطلع التسعينيات، إلى حوالى مئة مليون دولار فقط في كل واحدة من السنوات الثلاث الأخيرة. وأشارت صحيفة »غلوبس« الاقتصادية الإسرائيلية أمس، إلى أن تبادل الاتهامات بين تركيا وإسرائيل يعرقل إتمام صفقة الطائرات من دون طيار المبرمة بين الدولتين. وأوضحت أنه تم هذا الأسبوع تسليم أول طائرتين من دون طيار من إنتاج شركتي »الصناعات الجوية« و»ألبيت« بعد تسوية خلافات شديدة كانت قائمة بين المنتجين الإسرائيليين ووزارة الدفاع التركية، وأن ثمان طائرات ستسلم قريباً. ومع ذلك، أوضحت »غلوبس« أن الأتراك يصفون الحساب الآن مع إسرائيل، حيث يتهمون كلاً من »الصناعات الجوية« و»ألبيت« بالمسؤولية عن تأخر عملية التسليم وعن مصاعب أخرى. ولكن الجانب الإسرائيلي لم يسكت عن هذه الاتهامات وهو يحمل الأتراك ايضاً المسؤولية عن التأخير في التسليم. وكانت صحيفة »ديفنس نيوز« العسكرية قد أشارت إلى أن »الصفقة الإشكالية سممت التعاون المستقبلي بين الصناعات العسكرية في الدولتين«. ونقلت عن مسؤول دائرة المشتريات العسكرية التركية مراد بيار، قوله إنه »من ناحية تركيا، فإن الصفقة اكتملت فعلاً ونحن ننتظر تسلم الطائرات من دون طيار في الأسابيع القريبة«. وأضاف أنه رغم المصافحة المتأخرة بين الطرفين، إلا أن الصفقة »تركت وراءها طعماً مريراً في الفم.. وقد تعلمنا الدرس«. ويرى الخبراء العسكريون في تركيا أن الصفقة أحدثت مرارة كبيرة في صفوف دائرة المشتريات العسكرية والجيش التركي. وشكك هؤلاء في إمكانية أن تبرم تركيا قريباً أية صفقات أمنية كبيرة مع الجانب الإسرائيلي. غير أن الإسرائيليين يشددون على أن دوائر التسويق في الصناعات العسكرية الإسرائيلية تؤكد أن الأتراك لا يزالون يبدون رغبة في شراء منتجات أمنية إسرائيلية. وكتبت »غلوبس« أن الإسرائيليين من جانبهم يعيدون النظر في إستراتيجية صفقاتهم مع تركيا. وهم يقولون إن التوتر السياسي، ومطالب تركيا برفع حجم الأعمال التي ينبغي تسليمها لشركات تركية، والميل التركي المتواصل لتغيير المواصفات الفنية للمنتجات، كل ذلك يؤثر على حسابات الجدوى الاقتصادية لصفقات السلاح مع تركيا. ونقلت الصحيفة الدفاعية الأميركية عن مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية، قولها ان مبيعات الصناعات الأمنية الإسرائيلية لتركيا تراجعت من مليار دولار سنويا في مطلع التسعينيات، إلى 100 مليون دولار في كل واحدة من السنوات الثلاث الأخيرة. ولاحقت »غلوبس« أسباب هذا التراجع من وجهة نظر إسرائيلية. فنقلت عن مسؤول قوله أنه بعد وقت قصير من فوز »الصناعات الجوية« و»ألبيت« بمناقصة وزارة الدفاع التركية لتزويدها بطائرات من دون طيار في العام 2005، طلب الزبون فصل العمل، وتسليم إنتاج حوامل »بايلودز« (»payloads«) من هذه الطائرات لشركة »أسلان« التركية. وأضاف المسؤول الإسرائيلي أنه منذ البداية، كان »للشركتين الإسرائيليتين شكوك منذ اللحظة الأولى. فمصنع »تمام« للأجهزة الدقيقة التابع للصناعات الجوية ينتج هذه الحوامل لكل طائرات الصناعات الجوية، وأيضا حوامل بعشرات ملايين الدولارات لطائرات شركات أخرى مثل »شدو«. وعندما يتمّ إدخال عنصر ثالث، وأجنبي أيضاً للمنظومة، تنشأ مشاكل وتأجيلات. فالحوامل التي أنتجتها الشركة التركية لم تتناسب مع أجزاء الطائرة التي تنتجها الصناعات الجوية وألبيت«. واعترف هذا المصدر مع ذلك بأن »الأتراك اتهموا الإسرائيليين بعدم الوفاء بالالتزامات الزمنية ورفضوا الاعتراف بأن أساس المشكلة هو أن منتجهم لم يتناسب مع المواصفات المحددة سلفاً«. ومع ذلك، أشار إلى أنه في كل مشروع معقد كهذا، سواء أكان عسكرياً أم مدنياً، تنشب خلافات ومصاعب أثناء التنفيذ. غير أن رئيس دائرة المشتريات العسكرية التركية، أكد أن المنتجين الإسرائيليين وافقوا على تعويض تركيا بحوالى 18 مليون دولار بسبب التأخير وعدم تلبية عدد من المواصفات الأصلية. وسيتم التعويض عن هذا المبلغ بمشتريات وليس نقداً. وهناك الكثير من الإشارات على أن أغلب الصفقات التي أبرمت في الماضي بين إسرائيل وتركيا أثارت شكاوى. وقد حدث ذلك في الصفقات الكبرى لتحديث الطائرات والدبابات التركية. غير أن هذه الشكاوى من إسرائيل تتعاظم الآن بسبب أن الأبواب باتت مفتوحة أمام تركيا في الدول الأوروبية لشراء أسلحة، وبالتالي صارت أقل اعتماداً على إسرائيل. ولهذا، يتعاظم في إسرائيل السجال حول الطريقة التي ينبغي التعاطي بها مع تركيا في المجالات التكنولوجية الأمنية، خصوصاً في ظل مسار حكومة رجب طيب اردوغان لتحسين العلاقات مع كل من إيران وسوريا. ونقلت »غلوبس« عن مصدر إسرائيلي، قوله ان »هناك أصواتاً في المؤسسة الأمنية وليس في الصناعات الأمنية، تتساءل بصوت عال عما إذا كان من الممكن بعد الآن مواصلة النظر الى تركيا كحليف استراتيجي لإسرائيل«. غير أن هذا التساؤل مطروح أيضاً في تركيا وفقاً لصحيفة »ديفنس نيوز«، التي أشارت إلى أن تركيا باتت تنتج طائرات من دون طيار، وهي قادرة على شراء تكنولوجيا من دول أخرى.