كتبت مؤلفي (أفول الليل) عن سنوات الرصاص بين سنتي 2003 و2004. ونظرا لأميتي في عالم الحاسوب، فقد تكلفت بالرقن سيدة بمقابل مادي. بعد ذلك بدأ البحث عن المطبعة. حملت القرص اللين المحتوى على مسودة الكتاب إلى صديقي الذي يعالج النصوص، فأبى هذا القرص الملعون أن ينفتح وكأنه شفرة من زمن الفراعنة. أديت لرفيقي أجره بعد تخفيض نظرا لصداقتنا وتجربتنا السجنية المشتركة. بعد الرقن والسحب الأول وعملية التصحيح، حملت الشفافات كما فعلت مع طفلي الوليد، وتوجهت إلى المطبعة. دفعت تسبيقا في حدود الربع وسلمت العمل على أمل الرجوع للتصحيح، لكن المطبعي فاجأني بأن زمن المراجعة ولى ولا مجال لأي تصحيح أو تغيير في النص حالما تدور عجلة الآلة الألمانية العتيقة. لعلي أعرف فقط معلومات عن المطابع الحجرية والألواح الرصاصية، ألا يحكي الكتاب عن سنوات الرصاص؟ عدت بعد أسبوع ، ودفعت نصف المبلغ، ثم بعد شهر تقريبا ، أخذ المطبعي كل مستحقاته... سلمني عشر نسخ أهديتها للعائلة وبعض الأصدقاء، ووضعت واحدة لدى شركة التوزيع. بعد سبعة أيام من الانتظار قيل لي «نحن نوزع الصحف فقط والكتاب غير مربح وليس هناك قراء ولا قراءة، هناك فقط أزمة...». توجهت بعدها غاضبا إلى الشركة الثانية للتوزيع، فقبلت التعامل معي بخصم حدد في 50 %. استأجرت سيارة»هوندا» وحملت إبداعي الذي أضحى سلعة إلى مقر الشركة حيث سلموني وصلا وعدت فرحا إلى بيتي... وفي انتظار بداية التوزيع، وعملا بنصيحة الذين سبقوني لهذا الماراطون غير الرياضي، سلمت عشرات النسخ للصحف والأسبوعيات الوطنية وكذا لبعض الصحفيين والمثقفين والنقاد. بعد حوالي تسعة أشهر، أخذت تسبيقا من الشركة، وعند انتهاء مدة العقد وكانت تتضمن بندا غريبا «إذا لم تأتي لأخذ المرجوعات في وقتها سنقوم بحرقها...» ، تسلمت باقي المبلغ من نسبة البيع ومئات الكتب البائرة. وبما أن الخسارة كانت مضمونة، فقد قمت بإهداء عشرات من النسخ للأصدقاء والأهل ومعيدي المؤسسة التي كنت أعمل بها وعلى التلاميذ وحارسي السيارات والخادمات...ولكني بعت عشرات النسخ الأخرى في حفل للتوقيع أو خلال لقاءات حقوقية وثقافية. ها أنذا أصبحت كاتبا وناشرا وموزعا في آن واحد، ولم أسترجع حتى المبلغ الذي وظفته...الكتابة والنشر والتوزيع مهنة خاسرة تلك هي العبرة والدرس. أين وزارة الثقافة ودورها المنتشرة في أنحاء المغرب وحكاية دعم الكتاب. أين دور النشر واتحاد كتاب المغرب؟ .. ومع ذلك، فإن إصدار أول كتاب يبقى بطعم الفرح والسعادة والدهشة وكذا المسؤولية التي يحياها المرء حينما يأخذ بين يديه وليده لأول مرة، أو عندما تصله أصداء طيبة من مدن بعيدة، أو حين يقوم كاتب كبير كالأستاذ المبدع أحمد بوزفور وبعده الأستاذ نجيب العوفي والأستاذ شعيب حليفي وقيس الهمامي من تونس وآخرون بتقديم الكتاب ونقده والإشادة به.