من جديد تعيش مدينة الصويرة فصلا آخر من فصول معاناتها مع تراكم مياه الأمطار جراء إفلاس البنيات التحتية الخاصة بالتطهير السائل في مقابل سخاء التساقطات المطرية وارتفاع منسوب مياه البحر بشكل استثنائي ضاعف من قوة مدها تدفق مياه واد القصب الجارفة والمحملة بالأشجار والأحجار والحيوانات الميتة. ليلتان من الرعب والهلع عاشتهما ساكنة مدينة الرياح التي انتقلت من أجواء ناعمة هادئة عشية يوم الأربعاء 17 فبراير 2010 إلى أجواء عاصفية إثر هبوب رياح جد قوية أجبرت المواطنين على لزوم منازلهم وقراءة اللطيف تحسبا للأسوأ الذي لم تتأخر نذره كثيرا. حيث بدأت تتساقط الأمطار بإيقاع متصاعد لتصل ذروتها عشية يوم الخميس ثامن عشر فبراير 2010 . « لأول مرة في حياتي أشاهد أمطارا بتلك الغزارة، لقد كان لون مياه الأمطار ناصع البياض ، لم تتوقف عن التساقط بتلك القوة الاستثنائية لمدة نصف ساعة ، بدأت وديان المياه الجارفة تتدفق أمام شقتي المتواجدة بالطابق السفلي، وبدأت أتوقع حدوث الاسوأ في أية لحظة» صرحت لنا مواطنة عاشت لحظات رعب حقيقية. ساعات من تهاطل الأمطار بإيقاعات متباينة وسط رياح عاصفية، كانت كافية لإغراق أزقة مدينة الصويرة وأحيائها وشوارعها وساحاتها، ومقر بلديتها ، ومحطتها الطرقية،وكورنيشها، تحولت المدينة إلى برك مياه عملاقة، وسيول جارفة بلون الأتربة ، وعجزت قنوات الصرف الصحي من جديد عن القيام بمهمتها. في الناحية الشاطئية من المدينة، كان المشهد مرعبا للغاية، تصاعد منسوب مياه الأمطار، وتجاوزت الأمواج المتلاطمة الكورنيش لتصل مياهها إلى الساحة المواجهة لمقر الخزينة العامة للمملكة. « كنا في زيارة لأحد الزملاء في منزله المتواجد قرب مقر القباضة البلدية، تصادف وجودنا مع موجة أمطار عاصفية، بعد خروجنا اكتشفنا أننا محاصرون ببرك المياه العملاقة التي أغرقت المنطقة بكاملها، كان علينا نزع أحذيتنا ورفع ملابسنا والمشي داخل المياه المتصاعد منسوبها قصد الوصول إلى السيارة التي تجاوز ارتفاع المياه مستوى عجلاتها » صرح لنا مجموعة مواطنين حاصرتهم المياه . نفس المشهد تكرر بجميع أحياء مدينة الصويرة ، وبدون استثناء، كان على الساكنة توقع الأسوأ، فالأمر لم يعد منحصرا في بؤس خدمات شبكة التطهير السائل، بل تجاوزه إلى معطى طبيعي لا مرد له، وهو ارتفاع منسوب مياه البحر. ومن جديد تخون البنيات التحتية لشبكة التطهير السائل المحدثة حديثا سكان المدينة الذين دفعوا ويدفعون شهريا تكاليف إعادة تهيئتها، توقفت محطة رفع المياه المتواجدة قرب المحطة الطرقية عن العمل،وتراكمت المياه القادمة من أزلف والتجزئتين الرابعة والخامسة إلى اجل غير مسمى، ليقبع السكان داخل بيوتهم المهددة في انتظار الكارثة. كانت ليلة الخميس طويلة أكثر من العادة، تقاسمت الساكنة ساعات الرعب الذي لم يفرق بين الفئات والطبقات الاجتماعية، وبدا الجميع يستعرض احتمالات السيناريوهات الكارثية. صباح الجمعة 19 فبراير 2010 كان المشهد باعثا على التقزز في اغلب النقط بالمدينة، توقفت المجاري حتى عن تصريف مياه الواد الحار، واختلطت مياه الأمطار بالمياه العادمة التي لفظتها المجاري المختنقة،وكان على السكان أن يعبروا هذا الخليط الملوث ليذهبوا إلى عملهم وقضاء مصالحهم.فيما تناسلت الأخبار عن فقد اثر احد ممارسي رياضة الألواح الشراعية بشاطئ المدينة. في العالم القروي لإقليم الصويرة، كانت المشاهد كارثية وأكثر إيلاما، مئات الأشجار اقتلعتها الرياح العاصفية، رؤوس أغنام وحيوانات جرفتها السيول، أسقف منازل تهاوت بفعل قوة الأمطار وكثافتها، طرق ومعابر مقطوعة لساعات طويلة، انهيار قناطر صغيرة وتوقف أخرى عن العمل بفعل فيضان الأودية كما هو الحال بمنطقة ايت عيسي، وطفل بجماعة بوزمور حملته مياه واد القصب إلى مثواه الأخير.