يعتبر التصميم الجهوي لإعداد التراب ترجمة للخيارات الكبرى لسياسة الدولة فهو وثيقة تطرح الإشكاليات المجالية الكبرى وفق تصور شمولي مستقبلي تتجاوز السياسات القطاعية، فهو إطار يعبر عن مشروع تنموي جهوي يعتمد على الوضوح والواقعية. ينتمي المخطط الجهوي لإعداد التراب للشاوية ورديغة إلى الجيل الجديد من المخططات الجهوية إذ ينجز بصفة تشاركية و تشاورية وينبثق من القناعة الراسخة أن التنمية أصبحت شيئا محليا و أن رهان هذه التنمية لا يمكن تصوره خارج المجال الجهوي بل يتم تداوله بين مختلف الفاعلين سواء المتدخلين القطاعيين أو الفرقاء الجهويين كما يحدد أهداف وآجال الإنجاز وكذا الإمكانيات اللازمة للتفعيل و تحديد التزامات كل الأطراف عن طريق التعاقد بشأن هذه الالتزامات. إن واقع حال جهة الشاوية ورديغة يوضح بجلاء بأننا أمام مجال يختزل مجموعة من المؤهلات ولكن بالمقابل يواجه مجموعة من التحديات. بالفعل تزخر جهة الشاوية-ورديغة بدعامات أساسية للتنمية في مقدمتها الموقع الجغرافي المتميز بالقرب من العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء وبتواجدها بوسط التراب الوطني كحلقة وصل بين الساحل الأطلنتيكي والأطلس المتوسط مرورا عبر هضبة الفوسفاط كما أنها تقع ما بين العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء والعواصم السياحية خاصة مدن مراكش وأكاد ير. كما أن الجهة تتوفر على بنيات تحتية مهمة، ومؤهلات اقتصادية واعدة وثروات معدنية وطبيعية كبيرة ومجال فلاحي خصب إلى غير دلك. أما بخصوص التحديات الكبرى التي تواجه التراب الجهوي في متعددة ومتنوعة وهي تتعلق بهشاشة القطاع الفلاحي، وقلة التجهيزات بالعالم القروي، و التدهور البيئي جراء الاستغلال المفرط لبعض الموارد الطبيعية، و مشكل البطالة وعدم تنوع النسيج الاقتصادي وكذلك إشكالية التمدن. إن الهدف من إعداد التصميم جهوي للشاوية-ورديغة هو تجاوز هاته الإشكاليات و تفعيل المؤهلات من أجل تنظيم الحاضر في أفق بناء المستقبل. فالتصميم هو بمتابة مشروع مجتمعي جهوي مرتكز على الإنسان و ينبني على قواعد جديدة تتمثل في ارتكازه على الهوية الجهوية وبإشراكه الواسع لكل الفاعلين المحليين. إن طريقة إعداد التصميم الجهوي للشاوية ورديغة تم تحديدها في ثلاث مراحل أساسية وهي على التوالي مرحلة التشخيص ومرحلة إعداد التصميم الجهوي وتحديد مجالات المشاريع وأخيرا مرحلة وضع الصيغة النهائية للتصميم الجهوي لإعداد التراب. وقد عرفت جهة الشاوية ورديغة خلال الشهور القليلة الماضية المصادقة النهائية على المرحلة الأولى المتعلقة بالتشخيص، وهي المرحلة التي عرفت نقاشا واسعا على الصعيد المحلي حيث أهم خلاصاتها تهم الإشكاليات والخيارات الكبرى. فبالنسبة للإشكاليات الترابية فهي تترجم الاختلالات التي يعبر عنها من خلال عدم التوازن في استغلال مجال جهة الشاوية. ففي المقام الأول نجد ضعف الاندماج الترابي للجهة والتأثير الكبير للدارالبيضاء بحيث الشاوية ورديغة هي عبارة عن مجال يجمع بين عدة وحدات ترابية ضعيفة الاندماج تعمل كل منها حسب منطق خاص بها ولكن تحت تأثير قطب الدارالبيضاء. أما الإشكال الثاني فيهم الفجوة بين مجالات ديناميكية ومجالات الركود كإشارة لاختلال كبير مجاليا واقتصاديا. فالمجالات الديناميكية، وفق مجموعة من المؤشرات ، هي كل من السهول الأطلنتيكية، الممر الحضري برشيد-سطات و الشاوية السفلى. أما مجالات الركود فهي منطقة البروج، منطقة بن سليمان و هضبة ورديغة. أما الإشكالية الحضرية بالجهة فهي تتمثل في كون المدن بالجهة بعيدة كل البعد عن لعب الدور المحرك الذي ينبغي أن تكون لهم في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالمدن هي عبارة عن أنسجة وتجمع بشري دون فعالية، فالنمو السكاني المجالي يتم في غياب نمو اقتصادي، فهي مدن تعاني من ضعف في التدبير الحضري خاصة المدن الصغرى التي تعاني من تهميش اجتماعي ومجالي ملحوظ. فيما يخص الإشكالية القروية فتهم العالم القروي في علاقته بالمؤهلات الطبيعية والمعيقات المرتبطة بالوسط الحضري. بعد تطرق التشخيص، في مرحلة أولى، إلى أهم الإشكاليات الترابية التي تجوب التراب الجهوي فإنه (أي التشخيص) تناول في المرحلة الثانية لأهم التوجهات حيث تم التمييز بين مستويين، محاور التنمية المستدامة بالجهة ومحاور التنمية أي الخيارات الإستراتيجية لتنمية التراب الجهوي. عن الشق المتعلق بمحاور التنمية المستدامة بالجهة، فانطلاقا من كون تهيئة الجهة بالارتكاز على مبادئ التنمية المستدامة لا يمكن أن يكون كافيا لحماية الموارد الطبيعية، فمن الضروري أن تشمل التنمية المستدامة أيضا محاربة الإقصاء الاجتماعي ، والحكامة الجهوية والتنمية الاقتصادية. وقد حدد التشخيص 6 محاور أساسية وهي السكان، والمجال، والموقع الجغرافي، والتربة والماء والمدن. أما فيما يخص الخيارات الإستراتيجية، فقد تم حصرها في مجموعة من الاقتراحات أولها ضرورة التحكم في التطور غير المنتظم للمحور المحاذي للدارالبيضاء لأن الجزء الشمالي والمنطقة الساحلية للجهة لا تخضعان لنفوذ وسيطرة جهة الشاوية-ورديغة، بمعنى أن معظم ظواهر التحولات المجالية التي يعرفها هذا الجزء هو نتاج ديناميكية خارجية ناجمة عن الدار البيضاء. فيما يخص منطقة خريبكة فقد تم اقتراح عدة برامج تهدف بالأساس إلى تنويع القاعدة الاقتصادية مثل تحقيق مجموعة صغيرة من المشاريع وكذا إنشاء مناطق صناعية وبناء مرافق صناعية وخدماتية في الجماعات الأخرى بإقليم خريبكة. وتهم الخيارات الأخرى تكثيف النشاط الزراعي والتنمية القروية وتأهيل المدن والبنية الطرفية من أجل اندماج جهوي من مستوى جيد والاندماج المجالي لمختلف البرامج القطاعية. ومن أجل ترجمة هاته الخيارات لابد من عوامل الارتكاز، وفي هذا الإطار فقد حدد التشخيص سبع نقط ارتكاز أساسية وهي المؤسسات الصغرى والمتوسطة والقطبية الحضرية والخدمات ذات المستوى العالي ومستقبل العالم القروي والقطاع غير المهيكل والاستقرار الاجتماعي وقانون المرأة والمشاريع الثقافية والتماسك الاجتماعي. إن المصادقة على التشخيص الترابي لجهة الشاوية-ورديغة تعتبر مرحلة أساسية في تقدم التصميم الجهوي، بحيث يعطي الانطلاقة للمرحلة الثانية والتي تتمحور حول وضع الإستراتيجية وتحديد مجالات المشاريع وهي المرحلة التي ستعرف في غضون الأسابيع المقبلة مشاورات واسعة مع الفاعلين المحليين على صعيد الأقاليم الأربعة المكونة للجهة (سطات، برشيد، خريبكة وبن سليمان). إطار بالمفتشية الجهوية للإسكان والتعمير والتنمية المجالية للشاوية-ورديغة