لم يعد بإمكان عدد من المواطنين الذين «يحجون» إلى مقبرة الشهداء والحزن يعتصر قلوبهم لحظة وداع قريب لهم، أن يواروه الثرى في جو من الخشوع والرهبة، لكون المقبرة التي، يحمل إسمها من الدلالات الشيء الكثير، والتي تعد قبلة «مفضلة» للبعض معتبرين أن دفن موتاهم بها شرف و«حظوة»، أضحت تعج بالمتسولين والمتشردين الذين يلبسون لبوس الحرمان والفقر، فتراهم ذات اليمين وذات الشمال لايكلون في استجداء / مضايقة الوافدين إلى المقبرة حتى أثناء عملية الدفن دون مراعاة لأية حرمة أو خصوصية، أو حتى استحضار « جبروت » لحظة الوداع الأخير وما يرافقها من أجواء استثنائية يفرضها وقع المصاب الجلل! استجداء يخرج ، في كثير من الأحيان ، عن حدود المألوف الذي يترك الخيار للطرف الآخر في أخذ قراره بالتصدق أو عدمه، لينتقل إلى الشذ والجر من الخلف ومن أطراف الملابس لكل الملتفين حول القبر، وما أن يعبر أحدهم عن سخطه وانزعاجه، بل وحتى عدم رضاه أو احتجاجه، حتى ينزع المعنيون بالأمر قناع التسول ويشرعون في مهاجمة أهل الميت بشتى أنواع السب والقذف وأحقر النعوت، بل الأكثر من ذلك قد تصل بهم الوقاحة حد توجيه دعوات مضادة للميت بحرقه وتبوئه أدنى مراتب الدرك الأسفل من النار! مشهد عاينه كل من تواجد بمقبرة الشهداء خلال الجمعة ما قبل الأخيرة لدفن قريبة أحد الأساتذة الجامعيين والتي تصادفت وجنازة أخرى، فكانت الواقعة عصية على الاستيعاب أو التحليل! هذا الوضع لم يكن استثناء خلال ذلك اليوم بمقبرة الشهداء، إذ أفادت العديد من الشهادات لمواطنين أن «الروضة» باتت ملاذا للمنحرفين و«الشمكارة» الذين يتصيدون رواد / زوار المقبرة خلال زيارة موتاهم فيتقدمون نحو الفرد منهم مستغلين خلو المقبرة في لحظة من اللحظات بدعوى الاستجداء قبل أن يتطور الأمر إلى اعتداء وسلب للممتلكات! المظاهر الشائنة التي باتت تحبل بها مقبرة الشهداء تتطلب تدخلا صارما من قبل الجهات المعنية علما بأن هناك حملات أمنية سُجلت سالفا التي تشرف على تدبير المقبرة، حتى تظل مكانا مقدسا وطاهرا في منأى عن كل الشوائب المرتبطة بما هو دنيوي بعيدا كل البعد عن استحضار العالم الآخر. إن العديد من المواطنين / الزوار ممن سبق لهم التعرض لمضايقة ، بهذا الشكل أو ذاك ، خاصة النساء اللائي لا يسلمن من «سلوكات» بعض «الشمكارة» الذين يكونون تحت تأثير المخدرات والأقراص المهلوسة، يتمنون ، فقط ، زيارة موتاهم والترحم عليهم في هدوء ودون أي خدش!