ينتاب المرء الخجل كلما قادته قدماه ، سواء ضمن أحد المواكب الجنائزية أو بشكل فردي / أسري قصد «الزيارة»، لمقبرة الشهداء، حيث يصادف منذ ولوجه «البوابة» الأزبال يميناً وشمالا، وعدم زبر الأشجار والاهتمام بجمالها، إضافة إلى النباتات التي غطت القبور، خصوصاً بعد أمطار الخير الأخيرة ، والتي تكاثرت بشكل عشوائي لدرجة عرقلة المرور بجنبات الممرات التي «اندثرت» وأضحت غير بادية للعيان! ويرجع سبب هذا الوضع لعدم الاهتمام بالمقبرة ، وغياب الصيانة والمنظفين، نظراً لعدم استفادتها من المنحة السنوية ، كباقي المقابر، وذلك منذ سنة 1983، أي منذ إغلاقها في وجه موتى الحي المحمدي ودرب السلطان الفداء وابن امسيك سيدي عثمان، بحكم قرب المسافة، لتبقى مفتوحة أمام الذين «يملكون» بقعاً منذ سنوات على أساس حجزها لعائلاتهم! وتخصص وزارة الداخلية منحة سنوية لكل مقبرة تصل إلى 600.000,00 درهم، بعد أن كان يمنح لها مبلغ 400.000,00 درهم (40 مليون سنتيم)، وفق ما أفادتنا به مصادر مطلعة للجريدة. وخلال زيارتنا ، الأحد قبل الماضي، لمقبرة الشهداء، صادفنا سيدة مسنة متطوعة، تحاول جاهدة المساهمة في عملية الكنس بالفضاء المتواجد عند المدخل الرئيسي. كما عاينا مخفرا للأمن مغلقاً بعد انسحاب رجال القوات المساعدة من المقابر، منذ أكثر من ثلاث سنوات! وهو الوضع الذي يسهل مهمة اللصوص والمنحرفين وحتى بعض أصحاب الكلاب الذين يلجون المقبرة في واضحة النهار دون حياء، حيث يتخذون بعض «البيوت» مأوى لهم، وهو الأمر الذي يبقى منافيا لما يقتضيه المكان من احترام ووقار، وهو ما دفع برئيس الدائرة الأمنية للمنطقة، بعد الاتصال به، إلى إرسال عنصرين من رجال الأمن بدراجتيهما النارية ، حيث كان تدخلهما إيجابياً ! لكن الوضع يتطلب وجود الأمن وإعادة الأمور لنصابها، كما كان الحال في سنوات خلت، حتى يتسنى لكل زائر الترحم على آبائه وأقربائه في جو تسوده الطمأنينة ويُسيجه الخشوع والإيمان. لقد أصبحت مقبرة الشهداء ممتلئة بالمتسكعين والمتسولين والمتسولات المحترفين، إلى جانب عناصر مزعجة، تتبادل الكلام الساقط، والتفوه بما يليق من سُباب... هذا ويُحس المرء بحزن أكبر كلما مر بجانب المقبرة اليهودية أو الفرنسية، أو وقف عند مدخل إحداهما ، من خلال الهدوء التام والاحترام والنظافة والعناية والصيانة، ووجود عمال ومنظفين ومسؤولين ، قبل أن يتأكد من تخصيص ميزانية ومنحة محترمة تصرف على المقبرة وكل من يشتغل بها... لتبقى المفارقة باعثة على الألم وكل الأسئلة الحارقة...!