أصدر ثلاثة من أبرز قضاة بريطانيا، التابعين للمحكمة العليا، أمرهم إلى الحكومة البريطانية للكشف عن أدلة تورط جهازي الاستخبارات ((MI5 و((MI6 في قضية تعرض بنيام محمد، الإثيوبي الأصل والمقيم في بريطانيا للتعذيب في المغرب. ورفض القضاة بالإجماع مطالب وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميلباند، الذي كان يسعى لعدم الكشف عن ملخص سري من سبع فقرات أصدرته وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إي) بشأن اطلاع عملاء بريطانيين بتعذيب بنيام، على اعتبار أن ذلك قد يشكل خطرا على تبادل المعلومات بين لندن وواشنطن، وبالتالي تهديد الأمن القومي البريطاني. وقالت هيئة المحكمة إن القضية تتعلق بمسألة المحاسبة وبسيادة القانون في الحد ذاته، مضيفة أن نشر الوثائق التي أراد ميلباند الحفاظ على سريتها يظل أمرا ضروريا لأن الأمر يتعلق بتورط عملاء تابعين للدولة في مخالفات وممارسات سيئة للتعذيب. وسيستفيد بنيام من هذا المعطى لكونه سيثبت ادعاءاته بأن السلطات البريطانية ساهمت في تعرضه لسوء المعاملة والتعذيب عندما كان في قبضة السلطات الأمريكية. كما أن المحكمة العليا البريطانية استندت في قرارها إلى قرار آخر أصدرته إحدى محاكم الاستئناف الأمريكية، حيث قالت هذه الأخيرة إن معاناة بنيام امتدت لمدة سنتين، وخلال تلك المدة كان يتعرض للتعذيب البدني والنفسي، وتم إجباره على الاعتراف على نفسه واتهام أشخاص آخرين بالتآمر ضد الأمريكيين. ومن جهة أخرى كان كليف ستافورد سميث، رئيس منظمة «ربريف» الحقوقية التي تتولى الدفاع عن مجموعة من الأشخاص المعتقلين أو المفرج عنهم في قضايا الإرهاب، قد اعتبر تلك الوثائق تشير إلى أن ضابطا استخباراتيا بريطانيا زار المغرب ثلاث مرات في الفترة التي كان فيها المتهم السابق بالإرهاب، الإثيوبي محمد بنيام يخضع للاستنطاق السري بالمغرب. وبخصوص المتابعة القضائية في هذا الملف، سبق أن قال «كليف ستافورد سميث»: «إن المسطرة القانونية ستستمر إلى أن يتم تحديد الأطراف المسؤولة عن تعذيب بنيام، واعترافهم بما اقترفوه. وحينها سنقرر ما يمكن أن نقوم به في المستقبل للحيلولة دون تكرر نفس الأمر لأشخاص آخرين». كما قال المحامي نفسه عقب إحدى زياراته لبنيام قبل أن يتم الإفراج عنه، إن هذا الأخير كشف له بأن التعذيب الذي تعرض له في المغرب لم يكن جسديا فحسب، بل نفسيا أيضا، إذ كان يتم تقييد يديه ووضع سماعات على أذنيه اللتين تخترقهما موسيقى صاخبة لفرقتي «Meat Loaf» و«Aerosmith»، ويستمر الأمر كذلك طيلة أيام عدة. وكان بنيام قد لد في إثيوبيا وتوجه إلى المملكة المتحدة حيث تمكن من الحصول على اللجوء السياسي سنة 1994، وقضى في لندن سبع سنوات. وفي 2002 اعتقله أمن الحدود الباكستاني بمطار العاصمة كاراتشي عندما كان يهم بالعودة إلى بريطانيا، وقبل ذلك الحين، كانت السلطات الأمريكية قد أصدرت مذكرة بحث عنه بتهمة التخطيط لتفجير مركب سكني في الولاياتالمتحدة. وفي يوليوز 2002، تم نقل بنيام إلى المغرب، مرورا بقاعدة دييغو غارسيا التابعة لبريطانيا في المحيط الهندي، قبل أن يتم التوجه به في يناير 2004 إلى «السجن الأسود» بأفغانستان ومن هناك إلى غوانتنامو