(3/1) من المؤكد أن طرح إشكالية الشباب في أي بلد لا يمكن أن يعبر إلا على الإرادة السياسية لطرح إشكالية الاستمرارية والتفكير في المستقبل وآفاقه ومضامينه. فإذا افترضنا أن دولة متقدمة تهاونت في تعاطيها بجدية مع هذه الإشكالية، لا يمكن أن نتنبأ لها إلا بالتراجع. أما الدولة المتخلفة أو النامية التي لا تتوفر على سياسة محكمة للطفولة والشباب، فإن مستقبلها يكون غامضا ومهددا. فعناية الدولة بهاتين الفئتين شبيهة بعناية الفلاح بأرضه، ما يزرعه اليوم سيحصده غدا. وبذلك، فمنطق سياسة الدولة في مجال الشباب يحدد إلى حد بعيد طبيعة رجال الغد، أي منطق الفاعلين في دولة ومجتمع الغد. وعندما نتكلم عن الشباب كأساس للتفكير العمومي في المستقبل، لا يمكن أن نخضع هذه المسؤولية الجسيمة لاعتبارات ضيقة وغير موضوعية كربط حصيلة الوضع الشبابي بعمل الوزارة المختصة. على العكس من ذلك، فمسؤولية النهوض به هي من مسؤولية الدولة بكل مؤسساتها. إعداد الشباب للمستقبل، يحتاج إلى خطة مندمجة تتداخل فيها اختصاصات القطاعات الحكومية وتدخلات المجتمع المدني والسياسي والنقابي. وفي نظري، يجب أن ترتكز هذه الخطة على التربية والتعليم والتكوين، والثقافة، والرياضة، والفنون، والسياسة،... وعندما نتكلم عن التربية، نعني بذلك ضرورة توفر سياسة عمومية للتربية العلمية الحداثية تهتم بالطفل وعلاقته بمحيطه منذ مرحلة الحمل، مرورا بعلاقته الفطرية مع والديه في العامين الأولين من حياته، وخضوعه للتعليم الأولي، ودخوله إلى المدرسة ثم الإعدادي والثانوي وأخيرا الجامعي. وكما أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة على صفحات هذه الجريدة، يحتاج الطفل في مراحل مروره إلى الشباب ثم النضج إلى خطة مندمجة تشاركية يساهم في بلورتها وتنفيذها كل من وزير الشباب والرياضة، ووزير التربية، ووزير التعليم، ووزير الثقافة، والوزير المكلف بالتكنولوجيات الحديثة، ووزير التشغيل (من باب ضرورة ربط التعليم بالتشغيل)، والجماعات والسلطات المحلية. خطة يجب أن تلعب فيها الجمعيات الجادة، والأحزاب السياسية، والنقابات،... دور الشريك المرتبط بقضايا الوطن وبالإشكاليات الأساسية المرتبطة بمستقبله وعلى رأسها تربية وتكوين وتثقيف طفولتنا وشبابنا. إن الحماس الهستيري الذي يفجره شبابنا اليوم عند تتبعهم لمباريات كرة القدم الغربية خصوصا البارصا والريال، يعبر عن ارتباط قوي مع ما هو خارج الوطن والوطنية. وما يثير القلق أن إدمان الشباب على كرة القدم الأجنبية يوازيه إجراء العديد من المباريات الوطنية في ملاعب خالية من الجمهور وإخفاقات متتالية للكرة الوطنية. وإلى جانب كرة القدم، يعيش شبابنا وحتى أطفالنا إدمانا من نوع آخر، إنه إدمان على "الشاط" والإبحار في المواقع العديدة للانترنيت بدون مراقبة ولا تأطير. وهناك تعودات وسلوكيات أخرى يعرفها الجميع كالتعاطي للمخدرات والأقراص المهلوسة، وممارسة العنف، والتفوه بالكلام الساقط،...