في العام 2009 هاجر من ألمانيا 738 الف الماني متجهين صوب اقطار العالم المختلفة، ووفق تقارير دوائر الهجرة الألمانية، فإن هذا العدد يزيد بمئة ألف عن العام الذي يسبقه، ويفند التقرير أن بأن 563 ألف من المواطنين المهاجرين من المانيا ينحدرون في الأساس من أصول اجنبية، وفقط 175 الف من الاصول الالمانية. لكن المفارقة هنا تبدو غريبة، ففي الوقت الذي نري فيه المانيا كمحطة مختارة للهجرة الوافدة الي اوربا، بالنظر الي متانة اقتصادها وتفوقها العلمي الكبير ومن ثم توافر فرص العمل في بعض القطاعات، فإننا نجد هجرة مضادة من الالمان انفسهم الي خارج المانيا، اما اسباب ذلك فترجع ربما الي طبائع وغرائز البشر في حب التغير والفضول لرؤية عوالم جديدة خاصة وان الالمان من اكثر شعوب الارض حبا للترحال والمغامرة، غير ان آخرون يرون أن ظروفا أخري تدفعهم للهجرة مثل البطالة او الشجار مع الجيران او الضرائب المفرطة او محاولة تحقيق احلام وطموحات لم يستطيعوا تحقيقها في الوطن الام. الدول العربية كان لها ايضا نصيب من هجرة الالمان ربما لظروف تزاوج بين المان وعرب او لاقامة مشاريع استثمارية او حتي للعمل في الاماكن السياحية كالتدريب علي الغطس في سواحل البلدان العربية السياحية مثل شاطئ البحر الاحمر في مصر. اذن هل يفتقد المهاجرون الالمان الي البلدان العربية الحياة في المانيا؟ هل يفتقدون دخول الحانات والتمتع بالاكل والشراب دون رقابة كما تعودوا في بلدانهم؟ ام انهم تأقلموا بالفعل مع بلد المهجر الجديد دون مشاكل تذكر؟ السيدة «كرافت» من اقليم بافاريا الالماني هاجرت منذ زمن الي المغرب وتعمل وتعيش هناك منذ زواجها من مغربي تقول عن ذلك: عرفت المغرب منذ زمن بعيد وكنت احب دائما تلك البلاد وبعد توافر فرصة عمل لي في المغرب تعرفت علي زوجي الحالي، ونحن نعيش الان في المغرب ونسافر في الاجازات الي المانيا وتضيف بشأن الاختلاف الثقافي بين عادات وتقاليد البلدين: ان اقارب زوجي يأتون لزيارتنا دائما بين الثامنة والتاسعة مساء وتقول: وهي تضحك في هذا الوقت من المساء يدق الباب وعندما اهم لفتحه اجد ثمانية اشخاص من الاقارب وقد جاؤوا معا دفعة واحدة للسمر والسهر بل حتي تناول طعام العشاء في هذا الوقت، وهو امر مختلف تماما عن المانيا اذا ان الزيارت تكون محددة مسبقا وتنتهي قبل العاشرة بالنظر الي نوم الناس مبكرا من اجل الاستيقاظ صباحا للعمل. لكن هل يسبب لها ذلك مشكلة؟ تجيب: لا ان العائلة بدأت تتفهم ذلك، وهم يعرفون ان احدي عاداتي النوم المبكر، فبعد استقبالهم والترحيب بهم في المساء ومن ثم تقديم تحية لهم من مشروب او شئ مثل ذلك علي الطريقة العربية الجأ الي الاستئذان والذهاب الي النوم وتضيف قائلة:ان المشكلة الحقيقية هي في الذهاب الي السوق او التجول في الشارع فإنك تبقي طيلة الوقت تحت الرقابة الفضولية من الناس كونك اجنبي، والحقيقة ان هذا الامر يسبب دائما شعورا بعدم الارتياح، لكن شعورا اخر بالارتياح والسعادة يأتي من عدم الانهماك في اعمال المنزل مثل غسيل الاطباق او التنظيف الذي تقوم به احدي الخادمات، هناك ايضا الحصول علي الاسماك الطازجة، وعصائر البرتقال الطازج الحقيقة ان حلم النساء في المانيا هو التحرر من مثل هذه الاعمال الصغيرة كالتنظيف وكي الملابس وانا انعم بهذه الميزة الان وتضيف قائلة: طيلة 14 سنة من الزواج والاقامة في المغرب لم اجلس مرة واحدة علي المائدة لأفكر ماذا ناكل اليوم او نطبخ اليوم، اي تلك الامور التي اعتادت عليها ربة المنزل. فعائلة زوجي تهتم لحسن الحظ بهذا الجانب وكثيرا ما ياتي الطعام الينا يوميا.. كل هذا اضافة الي الشمس الساطعة طوال السنة في المغرب وهو الامر الذي نفتقده بشدة في المانيا. حالة اخرى لهجرة الالمان الي الدول العربية يقول صاحبها السيد «اولي هود» الذي يدير فندقا في حي الزمالك الشهير في مصر: «أتيت الي القاهرة قبل عشر سنوات وثمانية اشهر وثلاثة عشر يوم تحديدا وكنت في الخمسين من العمر، ولا اخفي سرا عندما اقول انني استمتع يوميا بإقامتي هنا لذلك احسبها باليوم» ويضيف قائلا: «ان حياة الاوروبيين او الغربيين في مصر هي مريحة جدا، فالشعب المصري شعب مريح وطيب للغاية وهم صبورين ويعملون بشكل صحيح ومجتهدين في العمل وايضا في التعلم. لكن الصعوبة التي تواجه السيد «هود» هي الاندماج والانغماس في الحياة اليومية المصرية ويضيف بهذا الشأن: انه صعب ان تندمج عائليا مع الاسر المصرية. زوجة السيد «هود» الالمانية تعيش معه في مصر، ويحكي قصة طريفة انه عندما اراد ان يقنع زوجته بالحضور الي مصر اشتري لها كتابا وقدمه لها للتعرف علي هذا البلد البعيد عن المانيا ويضحك ويقول: «للاسف لم يكن الكتاب فكرة جيدة، ذلك عندما جاءت زوجتي بعد الانتهاء من القراءة لتسألني كيف يمكن للناس ان يعيشوا في هكذا مدينة؟ تقصد مدينة القاهرة، لكنها اقتنعت فيما بعد ذلك واحبت مصر كثيرا. وعن افتقاده الحياة في المانيا يقول: «أفتقد تلك الحانة القريبة من مسكني في المانيا كثيرا، اشتاق ايضا للسجق المشوي وكاس من البيرة الالمانية الشهيرة فهذه الامور لاتجدها هنا. وعن مقتل مروة الشربيني السيدة المصرية علي يد متطرف الماني وهل تغير ميزاج المصريين ضد الالمان خاصة هؤلاء الذين يعيشون في مصر يقول: لا اعتقد ذلك لكن يبقى الامر دائما سئ في تبدل صورة المانيا الصديقة لمصر والعالم العربي الى الصورة النازية المتطرفة».