هل ارتقت هذه المباراة إلى مستوى انتظارات الجماهير الافريقية والعربية، خاصة من حيث توفر شرطي الروح الرياضية ونشدان الأمثل والأفضل في الأداء التقنو جسدي على البساط الأخضر؟ كانت الإجابة عن هذا السؤال صعبة، نظراً لتعدد القناعات ولصعوبة تركيب سيناريوهاتها منذ يومي 24 و 25 أي يومي تأهيل البلدين الشقيقين إلى نصف النهاية، وهي نفس الصعوبة التي واجهها، ولاشك، كل من شحاتة وسعدان مع ثقل أكثر على مخيلة شحاتة الذي لم يرتح له جفن منذ الإقصاء من كأس العالم، متمنياً أن يحقق ثأراً تاريخياً »يغسل« الصدمة الكبرى، وأن يؤكد أنه كان بالفعل يستحق التأهيل للمونديال لولا... حصيلة اللقاء الجسمانية كانت عالية، كما تؤكدها طرق اللعب هجوماً ودفاعاً وتوازناً واندفاعاً دونما سقوط في ارتكاب الأخطاء المتعمدة التي، وبالفعل، انحسرت من الجانبين تحت وطأة البحث عن التميز التكتيكي في إطار تعليمات وخطاطات صارمة اعتمدها الطرفان، والحال أن مثل هذه اللقاءات وبما يحيطها من ضجيج مادي (الاعلام والشارع) ومعنوي (السمعة والقيم الاحترافية وصدمة الهزيمة ونشوة النصر في الخرطوم). نعم لم تكن الأخطاء بمختلف أنواعها (الصدام العرقلة العنف المقصود إلخ...) هي المتسيدة على العشب الأخضر بملعب أنجيلا، حيث لم نرصد إلا نسبة ضئيلة من الطرفين باستثناء التدافع الجسدي في مربع الجزائر، والذي نتج عنه إعلان الحكم لضربة الجزاء (د 40) وطرد اللاعب جيليش ثم تدخل الحارس الجزائري بعنف ليتلقى بطاقة حمراء في الشوط الثاني. تقنياً ظهر أن المصريين ومنذ الدقائق الأولى، كانوا واعين جيداً بخطورة الزحف الجزائري من الجانبين، وكذا الاختراق العمودي مع تغيير وتيرة السرعة في نهاية التداول العرضي، ثم التقويس نحو المربع لإعمال القامات العالية، فرتبوا أمور دفاعهم بتشديد الحراسة الفردية على عناصر الوسط والهجوم »المتجول« خارج المربع، فيما ظل هاجس الهجوم ينتظر لحظات البناء وسطاً ثم جانباً. وكان واضحاً أن شحاتة ركب الاقتصاد في الحركة وفي تداول الكرة في العرض محققاً رقماً أكبر من التداول الجزائري (13 مرة تبادل فيها المصريون الكرة أكثر من 7 لمسات مقابل 4 للجزائريين) طيلة الشوط الأول، وبالمقابل، ظهر جليا أن الجزائريين كانوا بزحفهم العمودي والجانبي يبحثون عن لحظات الكافوياج في مربع الحارس المصري جواً وأرضاً لكن يقظة الحارس والدفاع المصريين كانت في مستوى كبح كل ذلك. نفسياً لم تخل المباراة من إعداد ترصدي، فإذا ما كان المصريون قد »بردوا« نفوسهم وبحثوا عن الطمأنينة في اللعب المريح (عدم الاحتفاظ بالكرة اللمسات القصيرة خلق واستغلال الفراغات في جانبي الملعب، فإن الجزائريين على العكس من ذلك، أكثروا من الاندفاع الحماسي وظهر أنهم تخلوا عن استعمال سلاحهم القوي (توظيف الوسط) وفضلوا اللعب السماوي أي الإكثار من القطريات من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما أربك كل عملياتهم وأكثروا من »إهداء« الكرات إلى الخصم وإهدار الكثير من الجهد في الجري صعوداً وهبوطاً، وفي النهاية، انقلب كل ذلك الى نرفزتهم »غاية« فكان ما كان: طرد اللاعبين، البحث عن القصاص الجسدي، التصادم مع الحكم، طرد الحارس ثم سهولة اختراق المصريين بالكثرة العددية مما وفر لهم تسجيل ثلاث إصابات في الشوط الثاني. ولم يكن من تفسير لذلك إلا: تغليب الانضباط وضبط النفس على النرفزة والانفعال. وبذلك يشق الفريق المصري طريقه الى النهاية ممثلا البلدان العربية أحسن تمثيل، و»هاردلك« للفريق الجزائري الذي ينتظر منه أن يحقق المرتبة الثالثة، وبعدها يشد رحاله إلى مراحل الإعداد القوي للنهائيات العالمية بجنوب افريقيا، على أساس قراءة جيدة للأخطاء المرتكبة في هذا النصف الافريقي، والذي يعتبر أحسن إعداد لهذه النهائيات التي سيمثل فيها الأمة العربية والاسلامية.