ظل صدام حسين متخفيا على الأنظار طيلة ثمانية أشهر، كان خلالها الجيش الأمريكي الذي يحتل العراق ومخابراته يسابقان الزمن لإلقاء القبض عليه، فبالنسبة لجورج بوش كان احتلال العراق والإطاحة بنظام صدام سيكون بلا معنى إذا لم يعتقل عدوه اللذوذ ويتخلص منه بأية طريقة. هكذا وفي شهر دجنبر 2003 سيتم اعتقاله في مزرعة قرب تكريت ، مسقط رأسه ، وكان ذلك حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، كما أعلنت الولاياتالمتحدة التي ستقرر عرض صور اعتقاله في اليوم التالي. غير أن قصة اعتقاله تضاربت حولها الآراء والمعلومات، فهناك الرواية الأمريكية الرسمية، وهناك رواية صدام نفسه والتي قصها على رئيس فريق دفاعه. وحسب الرواية الأمريكية فإن خطة إلقاء القبض على صدام وضعت تحت إشراف مباشر من الجنرال ريكاردو سانشيز ، يعاونه في ذلك الجنرال راي أوديرنو، قائد فرقة المشاة الرابعة وهي كالتالي: سيحاول صدام حسين اللجوء إلى عشيرته، وإلى بلدته تكريت بالذات للاحتماء هناك، خاصة وأن الكثيرين من أفراد الحرس والمرافقين الشخصيين له بدأوا يبتعدون عن مكانه بعد مقتل نجليه.. كان الأمريكان يولون اهتماما خاصا لفك لعز المخابئ السرية التي كانوا يعتقدون أنها كانت تحت القصور الرئاسية وعددها 20 قصرا... وأمام الصعاب ا لتي واجهوها قام سيمون داريز، أحد أهم قيادات وكالة المخابرات المركزية ، بوضع خطة بحث جديدة لاعتقال صدام، وجاء في التقرير الذي أعده في غشت 2003 أن الأماكن التي يمكن أن يتواجد فيها هي واحد من اثنين: إما في منزل أسرة تسكن بعيدا عن بغداد، وله ثقة بها وهي قادرة على حمايته، أو في منطقة مهجورة غير مأهولة بالسكان ، وقد يكون أعد لنفسه مخبأ في هذه المنطقة القريبة من عشيرته وبلدته تكريت . ورأى دايز آنذاك أن صدام لا يمكنه مغادرة العراق من خلال دراسة شخصيته التي لا تقبل بالهروب. كانت المؤشرات الأولية التي بدأت تتجمع في غشت 2003 ، تقول إن هناك أشخاصا أكدوا أنهم رأوه في شمال بغداد ، تارة في تكريت وتارة في مناطق أخرى. ويؤكد خليل الدليمي، حسب الرواية التي سوقتها واشنطن ، أنه كان يعاون وكالة المخابرات المركزية في البحث عن صدام فريق من الموساد الاسرائيلي المكون من عشرة أفراد بمن فيهم رئيس قسم العمليات والاستطلاع بجهاز الموساد، وهكذا وبعد تحقيقات مكثفة وعرض صور الحراس على المقبوض عليهم، توصلت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية إلى أن صدام لم يبق إلا على اثنين من حراسه ، وقد تطابقت الأوصاف التي أدلى بها هؤلاء عن الحراس مع رؤية بعض الأشخاص لصدام في تكريت وآخرين عن رؤيتهم له في الرملة وكركوك، وتحدث آخرون عن أن هذين الحارسين كانا من أكثر الأشخاص الذين يثق بهم صدام، وهكذا تركزت التحقيقات بعد ذلك في معرفة كافة التفاصيل عن تحركات هذين الشخصين وبدأ السعي الحثيث للقبض عليهما. في أواخر غشت تم القبض على أحد المقربين من صدام ومارسوا عليه شتى أنواع التعذيب لمعرفة مكان اختفائه... وبعد الضغوط النفسية والجسدية العنيفة لمدة ثمانية عشر يوما متواصلة اعترف هذا الشخص بأحد المخابئ المهمة في جنوبي بغداد، وشكل ذلك نقطة جوهرية في مسار الخطة الامريكية التي التزمت بالسرية المطلقة، وقد وجد هذا المخبأ في منطقة مهجورة ويشبه المخبأ الذي عثر فيه عليه لاحقا، كان هذا المخبأ داخل غرفة تؤدي إلى حجرة عميقة وكانت الحفرة التي تؤدي إليها الحجرة العميقة ... ضيقة كتلك التي قالوا أنهم وجدوه فيها. تابع الفريقان بدقة وكثافة المخابئ الثلاثة التي أشار إليها قريب صدام حسين، إلا أن المتابعات أكدت أنه لم يتردد عليها نهائيا، مما تأكد للقوات الأمريكية أن المعلومات التي أدلى بها قريبه غير دقيقة، مقابل ذلك كانت هناك وجهة نظر تشير لوجود مخابئ أخرى في مناطق متفرقة من العراق يستخدمها صدام ، لتعذر استخدام مخابئ القصور الرئاسية أو المخابئ الشهيرة التي تتحمل ضربات القنابل الأكثر شراسة. بدأت القوات الأمريكية باعتقال أقارب صدام وحرسه المنتمين إلى تكريت بسرية تامة... ذات يوم مرض أحد أخوال صدام مرضا شديدا، فقام صدام في مساء متأخر من أحد الأيام بزيارتين إلى خاله ، وكان يتحرك بثقة كبيرة حتى إنه اصطحب في الزيارة الثانية ابن خاله وعمره 35 سنة ، إلى أحد مخابئه وأعطاه مبلغ خمسة آلاف دولار لاستكمال علاج والده، في اليوم التالي قبض على هذا الإبن ومورس عليه أقصى أنواع التعذيب، واعترف في اليوم التالي، واصطحبهم إلى أحد المواقع المعينة، ثم أشار لمنزل مؤلف من طابقين وقال إنه استلم المبلغ من الرئيس خارج هذا المنزل. قامت القوات الأمريكية بمداهمة المنزل وفتشوه تفتيشا دقيقا لمدة ثلاثة أيام ، في أكتوبر 2003 ، وبعد تفتيشه ومرافقيه لعدة أيام، حصلت المفاجأة في اليوم الثامن عندما اقترب أحد حراس صدام ، وهو من أقاربه ، من المنزل، وبدا أنه قد كلف من طرف صدام باستطلاع الموقع، إذ دخل إلى المنزل ثم غادره، وبعد .أخد ورد حول اعتقال هذا الشخص أو تتبع خطواته تقررا اعتقاله، وبعد أن تعرض للتعذيب اعترف بأن صدام سيأتي إلى هذا المكان بعد وقت قصير، وساعد الأمريكيين في تحديد المنطقة، كان صدام بالفعل بالقرب من هذه المنطقة غير أنه ابتعد عنها قبل وقت قصير من القبض عليه.