في 19 مارس 2003 هاجمت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها العراق ، وكان الهدف من الحرب كما صرح بذلك جورج بوش علانية ، هو الإطاحة بنظام صدام حسين ،الذي رفض جميع المبادرات القاضية بمغادرة العراق. كان صدام على علم بنوايا جورج بوش، وكان يعرف أن نظامه ومصيره هو شخصيا أصبح على المحك، فكيف استعد لهذه المنازلة. يقول صدام بهذا الصدد: بعد أن يقنت أنا ورفاقي في القيادة ومعنا كل شعب العراق الصابر المجاهد ، أن العدوان الأمريكي الشرير واقع لا محالة... قمنا بوضع الخطط اللازمة للمواجهة بعد أن قبلنا مضطرين بأن لا بديل عن المواجهة العسكرية المباشرة... لذا، فقد أعددنا شعبنا البطل وقواته المسلحة للدفاع الشامل بمشاركة كل طاقات الدولة والشعب، من إعداد نفسي وفكري ومعنوي ، لتأمين حالة الدفاع، ولمعركة طويلة قد تمتد إلى عدة أشهر. وكان الانفتاح العام للقوات المسلحة مبنيا على أساس خطط الدفاع الرئيسية عن العراق، واحتمالات تعرض العراق للعدوان من كل الاتجاهات». ويستطرد صدام في شرح خطة الدفاع ، التي أعدتها القيادة العراقية ، والتي كان من المفترض أن تفرض على القوات الأمريكية وحلفائها عدة أشهر من القتال: على هذا الأساس وغيره وضعنا أهم المعالجات. وهي تأمين القيادة والسيطرة، ووضعنا لذلك كل الخطط والإمكانيات ، فقد قمنا بتقسيم العراق إلى أربع مناطق كقواطع عمليات رئيسية ، وكلفت القيادة رفاقنا بالتوزع لقيادة هذه القواطع وعاونهم قادة فرق وفيالق قواتنا المسلحة». وهذا التقسيم ، الذي أعلن آنذاك عبر وسائل الإعلام العراقية ، ينص على أن يقسم العراق إلى مناطق أربع ، يتولى قيادة كل منطقة أشخاص ينتمون إلى الدائرة الضيقة المقربة من صدام، لكنهم بدون خبرة عسكرية أو ميدانية، ناهيك عن القدرة على خوض حرب ضروس في مواجهة مع أكبر القوى العسكرية وأفضلها تسليحا في العالم. وهذه المناطق والمسؤولين عنها هي: - المنطقة الشمالية ووضعت تحت قيادة عزة الدوري، نائب صدام. - المنطقة المركزية وتشمل العاصمة بغداد وضعت تحت قيادة قصي نجل صدام. - منطقة الفرات الأوسط وضعت تحت قيادة مزيان خضر هادي ، عضو مجلس قيادة الثورة وأحد المقربين من صدام، يساعده في ذلك فاضل محمود غريب وهو أيضا قيادي في البعث ومقرب من صدام. - المنطقة الجنوبية ووضعت تحت قيادة علي حسن المجيد ، ابن عم صدام، والذي اشتهر ب «علي الكيماوي» لما ذكر عن دوره في ضرب حلبجة بالسلاح الكيماوي. ويزيد صدام توضيحا لتفاصيل هذه الخطة: كانت أهم الخطط التي سبقت العدوان، أن تكون الخطة النهائية هي الدفاع عن بغداد، لذلك قمنا بتقسيم بغداد إلى مناطق تولى مهمة قيادتها رفاقنا في القيادتين السياسية والعسكرية، لأن رهان نتيجة المعركة النهائي وتركيز العدو يتوقف على ذلك». وقبل أن نترك صدام يستطرد شرحه لما رآه أنها أفضل خطة لمواجهة الأمريكيين وحلفائهم، لابد من الإشارة أن إخضاع الجيش وعمليات الدفاع عن العراق للقيادة السياسية المباشرة كان خطأ فادحا، بل حتى تقسيم العراق بهذه الطريقة تأكد عدم فاعليته ميدانيا، لأنه فصل بين قيادات الجيش وأعاق عمليات التنسيق خلال المعارك. وهو ما أشار إليه عدد من الخبراء العسكريين إبانها، وهكذا فمراهنة صدام على خوض معارك لعدة أشهر لإنهاك الخصم لم تنجح لأن الأمريكيين كانوا عازمين على إنهاء الحرب قبل حلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى أن خططهم كانت تقتضي عدم سقوط عدد كبير من القتلى في صفوفهم، لأن ذلك كان سيثير ردة فعل الرأي العام الأمريكي، كما حدث خلال حرب الٍڤيتنام. وهكذا فإن الحرب التي أرادها صدام ورفاقه في القيادة ، معارك متواصلة لأشهر عديدة ، لم تدم سوى ثلاثة أسابيع، وباستثناء المعارك التي شهدتها بلدة «أم قصر» في أقصى الجنوب، وقرب مطار بغداد، لم يواجه الأمريكيون قتالا حقيقيا، بل إن معركة بغداد لم تقع أصلا، حيث سيفاجأ العالم أجمع، صباح 9 أبريل 2003 ، بدخول القوات الأمريكية إلى بغداد دون أن يتصدى لها أحد تقريبا. فيما تبخر الجيش الجمهوري وباقي القوات التي أوكلت إليها مهمة الدفاع عن عاصمة الرشيد. وإذا كانت هذه هي الحقائق التي ظهرت خلال الحرب، فإن صدام كان له تصور آخر بسطه أمام رئيس فريق دفاعه كالتالي: قبل وقوع العدوان، قلت لرفاقي إن البندقية سيكون لها الدور الكبير الحاسم في المعركة النهائية، بالإضافة إلى الأسلحة الأخرى، ثم كلفت الحماية التابعة لي بتهيئة أحزمة ناسفة لنا لكي نستعملها عندما نقاتل العدو إذا وجدنا أنفسنا في وضع نضطر فيه إلى استخدامها، وذلك لإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوفه، حيث لم نضع في الحسبان حالة الوقوع في الأسر. لكنني بعد تأمل تراجعت عن قراري هذا وقلت في نفسي، ماذا أقول لشعبي ورفاقي في القيادة، وماذا سيقولون عني. هل أنا قائد وفقا لواجباتي في أن أقود المعركة، أم أنا مقاتل؟ وقد يفسر موقفنا هذا على أنه تخل عن القيادة. فعدلت عن الفكرة». ليلة 19 مارس 2003، قامت الصواريخ الأمريكية بشن غارة على بغداد، بعد أن وصلت معلومات استخباراتية تفيد بأن صدام وعدد من القيادات المقربة إليه يتواجدون في مكانبالقرب من القصر الجمهوري. لكن سيتأكد لاحقا أن الغارة أخطأت هدفها، لأن صدام لم يكن متواجداً هناك، فأين كان بالضبط؟ يقول صدام: لتفويت الفرصة على الأعداء، كان لابد لنا من أن نتخذ مواقع بديلة، ففي الليلة التي بدأ فيها بوش عدوانه على بغداد، كنت في منزل متواضع يقع في حي التشريع ليس بعيداً عن القصر الجمهوري، فقام العدو بضرب القصر والأهداف التي حددها، وفي أحد أيام المنازلة، دعوت القيادة إلى الاجتماع في مطعم الساعة في حي المنصور، وطلبت من أعضاء القيادة أن يدخلوا من الباب الأمامي والخلفي للمطعم للتمويه، وبعد أن تمعنت في الحضور، وجدت أن أحد الأشخاص المهمين كان غائباً عن الاجتماع، فقلت في نفسي لقد فعلها، وعلى الفور، طلبت من الحضور الانصراف والتوجه إلى مكان آخر. وبعد خروجنا مباشرة، قام الغزاة بضرب المكان وتدميره بالكامل، توجهنا بعدها إلى مكان آخر في المنصور في دار اعتيادية، وبعد دخولنا ولقائنا لفترة قصيرة، أمرتهم بالخروج، ثم ضرب المكان بشدة بعد دقائق من خروجنا. آنذاك أعلن العدو أن صدام قد مات في هذا الموقع». طبعاً صدام لم يمت في ذلك القصف، وسنتابع في ما تبقى من حلقات ما حصل معه بعد احتلال القوات الأمريكية لبغداد وانهيار نظامه، لكن لننصت له الآن وهو يرد على الانتقادات التي وجهت إلى الخطط التي وضعها لمواجهة الأمريكيين، والتي اعتقد أنها ستطيل عمر الحرب، وبالتالي ستنهك العدو، وهي نفس الانتقادات التي ذكر بها خليل الدليمي موكله وهو في الزنزانة.« سألت الرئيس عما اعتبره الكثير من العسكريين والسياسيين العراقيين خطأ كبيراً في إخضاع القادة والآمرين العسكريين في قيادات المناطق لمسؤولين سياسيين، فشرح الرئيس أسباب اتخاذ هذا الإجراء وظروفه، ووصفه بالاضطراري، لكنه أقر بصراحة وشجاعة بأن إخضاع قرار القادة العسكريين الميدانيين في الفيالق والفرق للمسؤولين السياسيين قد ساهم في إضعاف قدرات قطعاتنا في مقاومة الهجوم الكاسح لقوات العدو وقال: ما حصل في هذه المعركة المصيرية ولحساسيتها ولأنها هذه المرة مصيرية بكل معنى الكلمة، فإننا أخضعنا القرار العسكري للقادة السياسيين، سواء قادة الفرق أو قادة الفيالق الى القرار السياسي وبالتشاور مع القادة العسكريين. وهذا حصل اضطراراً، وهو سلاح ذو حدين، فأحيانا يتطلب الموقف المبادرة والمباغتة السريعة. وعندما يخضع قرار القائد العسكري لقرار من رجل السياسة، فإن الموقف يتطلب بعض الوقت ، ربما ساعات ، خاصة في ظل انقطاع وسائل الاتصال السريعة ، وهذا يعطل جهد القائد في استخدام الموقف المطلوب على أساس الحالة التي قد تتطلب السرعة والمباغتة، فضلا عن أن بعض القادة العسكريين يتحسسون من قرارات السياسي أو من أوامره التي تصدر لهم على أساس نقص الخبرة لدى هؤلاء في مجال الاختصاص العسكري، وهذا أثر بشكل كبير في نجاح العدو في التقدم السريع نحو بغداد في ظل فرق القوة»