تنشر «الاتحاد الاشتراكي»، على امتداد شهر رمضان، سلسلة من المقالات والحوارات الساخنة والصور النادرة، التي يتم الكشف عن بعضها للمرة الأولى. سلسلة شيقة وغنية بالتفاصيل المثيرة، تحمل في طياتها حقائق عن شخصيات وأحداث تشكل علامات بارزة في التاريخ القومي العربي، من أبو إياد وأبو عمار إلى صدام حسين. يكشف الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي أعدم نهاية دجنبر 2006، في وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف القومي الأمريكي مؤخرا خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن. والوثائق هي عبارة عن محاضر 20 استجوابا رسميا وخمسة محادثات عادية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالي الأمريكي «إف.بي.آي»، للرئيس السابق ما بين 7 فبراير و28 يونيو 2004. ويغطي صدام في أجوبته على أسئلة المحقق وصوله للسلطة والحرب مع إيران وغزو الكويت وأسلحة الدمار الشامل والمزاعم عن علاقته ب«القاعدة». عند الحديث عن مكيف الهواء الذي كان يعاد تصليحه في زنزانة صدام حسين في ذلك الوقت، قال صدام حسين إنه معتاد على الحياة البسيطة، وشخصيا لا يحب البذخ في الحياة. وهنا سئل صدام عن عدد القصور التي كان يمتلكها والفخامة غير العادية لهذه القصور، فرد صدام قائلا: هذه القصور ملك الشعب العراقي وليست ملك شخص واحد. وقال إنه في عام 1968 كانت غالبية البيوت العراقية بدائية ومصنوعة من الطين. وانه في البلاد الغربية تطور فن العمارة عبر بناء القصور، وان المعماريين العراقيين طورا تصاميمهم وفن العمارة عبر بناء القصور في العراق، وهذا انعكس بدوره على عمارة البيوت العادية في العراق. كما قال صدام حسين انه بسبب التهديدات الأميركية والإسرائيلية، خصوصا خلال السنوات العشر الماضية، فإنه يكون من الخطر على المسؤولين وقادة البلاد أن يعقدوا اجتماعاتهم في قصرين مثلا وان بناء عدد كبير من القصور كان حاجة أمنية، فمع وجود عشرين قصرا يكون من الصعب جدا تحديد أين توجد القيادة العراقية. وانه طالما أن هذه القصور ملك للشعب، فإن صدام لا يعيش في أي منها. قال صدام خلال الحديث انه يحب الحياة في بيت بسيط، وانه يأكل ما يقدم له، ولم تكن لديه مطالب كثيرة. وقال صدام انه لدى واشنطن انطباع خاطئ انه يحب الحياة المترفة والبذخ. وانه بسبب حبه للحياة البسيطة لم تتمكن أميركا من اعتقاله لفترة طويلة، موضحا أن اعتقاله جاء بسبب خيانة فردية. وقال صدام خلال الحديث أيضا إن جدول أعماله اليومي كان طويلا، غير انه كان دائما ما يجد وقتا لقراءة القصص والروايات التي يستمتع بها كثيرا. ويوضح أن يومه كان يتضمن لقاءات مع مسؤولين في حزب البعث، كما قال انه كان يلتقي مع أفراد من الشعب العراقي يوميا قائلا انه كان يجدهم أفضل مصدر للمعلومات الدقيقة. وعندما سئل كيف يمكن أن يكون العراقيون الذين كان يلتقي بهم يقولون الحقيقة في ضوء أن الكثيرين منهم يكونون في حالة خوف، قال صدام: إن هذا قد يكون الحال مع البعض، لكنه تربطه علاقة طويلة مع الشعب العراقي، وان الشعب كان يعرف انه يريد الحقيقة. ثم سرد صدام حسين مثالا وهو أن عراقيا قال له إن أخ صدام غير الشقيق إبراهيم حسن المجيد، كان يسير في سيارته ثم أطلق النار على إشارة مرور في الشارع. فرفع صدام حسين التلفون وسأل شقيقه عن صحة الرواية، فاعترف المجيد أن هذا فعلا حدث. فقال له صدام أن يجمع أغراضه. ثم عرف المجيد من الإذاعة العراقية الرسمية انه قد تم طرده. وقال صدام خلال الحديث انه كان يحاسب أسرته أكثر من الآخرين. كما قال صدام انه كان مهتما بمحاولة فهم الثقافة الأميركية، وان حاول ذلك عن طريق مشاهدة الأفلام الأميركية، وطبقا لصدام فقد شاهد عددا هائلا من الأفلام الأميركية، ومن خلالها كون رأيه عن الثقافة الأميركية. قال صدام حسين إن عمليات تفتيش الأممالمتحدة حققت هدفها بتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل ولم يمتلكها لمدة طويلة. وقد نصح حسين أن الكثيرين كانوا من الرأي القائل إن العراق كان مترددا بالتعاون مع عملية تفتيش الأممالمتحدة عن أسلحة. ورد حسين بأن العراق تعاون طوال 7 سنوات، ومنح مفتشي الأممالمتحدة حرية التنقل في كل البلاد، بما في ذلك القصور الملكية. وعندما ضغط على حسين حول تعاون العراق مع المفتشين، وسئل عن إخفاء حسين كامل لمكونات أسلحة دمار شامل، قال إن طبع حسين كامل الحقيقي بات معروفا للجميع. واعترف بأنه كان هناك أشخاص في الحكومة العراقية، كانوا في البداية مترددين بالتعاون مع المفتشين. وهؤلاء الأشخاص كانوا مخلصين ويعملون بجهد ومتفانين في عملهم، وكان من الصعب بالنسبة إليهم، أن يقال لهم يوما أن يفتحوا كل ملفاتهم ويسلموا كل أعمالهم وأسرار حكومتهم لدخلاء. تطلب الأمر وقتا وحصل على مراحل. وفي حلول عام 1998، امتثل العراق لقرارات الأممالمتحدة. ومع ذلك، هوجم العراق من قبل الولاياتالمتحدة من دون أي تبرير أو إذن من الأممالمتحدة. وأضاف صدام حسين أن العراقيين ما كانوا ليخزنوا أسلحة دمار شامل في القصور الرئاسية، لان ذلك كان ليضع الحكومة والقيادة العراقية بخطر. أسلحة الدمار الشامل كانت، وكانت ستكون، مخزنة في الصحراء، في أماكن نائية. وادعى حسين بأن الضربات الأميركية على العراق في عام 1998، وردا على محاولة الاغتيال المزعومة للرئيس السابق جورج بوش، كانت غير مبررة ولم يكن هناك استفزاز أدى إليها. ولم تحصل الولاياتالمتحدة على أي موافقة من الأممالمتحدة لتنفيذ هذه الضربات. وعلى الرغم من أن الاعتداءين تما بقرار الولاياتالمتحدة، فقد شعر حسين بأن الأممالمتحدة تجاوزت سلطتها في ما يخص العراق. قرأ صدام حسين للعميل الخاص في ال «إف بي أي» جورج بيرو، قصيدة كتبها مؤخرا. ووجد بيرو أن القصيدة هي فرصة لمناقشة خطابات صدام حسين. وقال بيرو لحسين إنه بعد أن استمع إلى عدد من قصائده، أصبح بإمكانه أن يتعرف إلى خط يده، بعد أن كان يقرأ القصائد. وقال بيرو إنه أصبح واضحا بالنسبة إليه أن صدام حسين كان يكتب خطاباته، وهو أمر تأكد لاحقا، وقال إن كل كتاباته جاءت من القلب. وقال حسين أيضا إنه لم يستمتع بقراءة خطاباته، وأنه كان يفضل أن يقرأها له آخرون، مثل مذيعي أخبار. ووصف حسين شعور كتابة خطاباته، بأنه كتأدية امتحان. وقال صدام حسين إن إيران كانت تشكل أكبر خطر على العراق، بسبب حدودهما المشتركة، وكان يعتقد أن إيران كانت تنوي أن تضم جنوبي العراق لإيران. وهذا الاحتمال كان ينظر إليه حسين والعراق على أنه أكبر تهديد يواجه العراق. وكان حسين يعتبر أن بقية البلدان في الشرق الأوسط ضعيفة، ولا يمكنها الدفاع عن نفسها في مواجهة العراق أو اعتداء من إيران. وقال إنه يعتقد أن إسرائيل تشكل تهديدا للعالم العربي بأسره، وليس فقط للعراق. وأضاف أيضا أن قدرات أسلحة إيران تطورت بشكل دراماتيكي، بينما كانت عقوبات الأممالمتحدة تجرد العراق من الأسلحة. آثار ذلك ستظهر في المستقبل، عندما تصبح القوة العسكرية لإيران تشكل تهديدا كبيرا للعراق والمنطقة في المستقبل. وقال حسين إن قدرة الأسلحة التي كان يملكها العراق كانت سببا رئيسيا في نتائج حرب العراق إيران. في البداية خلال الحرب، كان العراق يملك صواريخ متوسطة المدى (270 كيلو مترا)، بينما لم تكن إيران تمتلك أي صواريخ ذات قيمة. وتمكن الإيرانيون من الحصول على صواريخ طويلة المدى من ليبيا، والتي كان بإمكانها أن تصل إلى أعماق العراق. وكان الإيرانيون أول من استعمل الصواريخ وضربوا بها بغداد. وقال حسين إنه حذر الإيرانيين من خلال خطاب ألقاه، لوقف اعتداءاتهم. ولكن إيران ضربت بغداد مجددا. ونصح علماء حسين بأنه يمكنهم تحسين مدى الصواريخ لكي تطال قلب إيران أيضا. فطلب إليهم أن يفعلوا ذلك. وردت العراق على ضرب بغداد بضرب طهران بصواريخها. وقال حسين إن إيران صدمت بسبب صواريخ العراق، وقال إن طهران كانت أكثر عرضة من بغداد لقصف الصواريخ بشكلها الجغرافي. وعرف حسين ذلك ب «حرب المدن» وقال إن تصرفات العراق كانت ردا على تصرفات إيران. وفي موضوع آخر، قال حسين إنه يذكر فقط أنه استعمل الهاتف في مناسبتين منذ مارس 1990إضافة إلى ذلك، فهو لم يمكث في المكان نفسه أكثر من يوم واحد، لأنه كان يعرف بالقدرات التكنولوجية المتطورة للولايات المتحدة. وكان يستعمل البريد كأداة تواصل، أو يقابل شخصيا مسؤولين في الحكومة لكي يناقش قضايا مهمة. وانتقل الحديث بعد ذلك عن الرئيس الانتقالي للعراق، الشيخ غازي الياور. وقال حسين إن الياور يأتي من عائلة جيدة وأنه سيلقى قبولا من بلدان أخرى في المنطقة، خصوصا المملكة العربية السعودية. وقال إن الولاياتالمتحدة يبدو أنها بذلت جهدا كبيرا لاختيار الياور، وأنها قامت بخيار حسن. وقال عندها بيرو لحسين إن اختيار الياور لم يكن فقط قرارا أميركيا، بل قرار مشترك بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة. وسأله بيرو حينها عن شعوره الشخصي حيال النقاش عن رئيس جديد للعراق. فبدأ حسين بالرد والحديث تحديدا عن الياور. فأوقفه بيرو وسأله ما هو شعوره الشخصي. وذكر بيرو حسين في تصريح سابق له بأنه لا يزال يعتبر نفسه رئيس العراق. وقال له إنه بات من الواضح الآن انه لم يعد الرئيس وهناك رئيس جديد وحكومة جديدة. وقال له انه لم يعد رئيس العراق، وأنه انتهى. فرد حسين بالإيجاب وقال نعم انه يعرف ذلك، وقال ما الذي يمكنه أن يفعل أمام مشيئة الله. وسأله بيرو إذا كانت لديه أفكار عن مستقبله، فقال حسين إنه بيد الله. وعندها قال بيرو لصدام حسين إن حياته شارفت على النهاية، وسأله إذا أراد أن تكون لبقية حياته معنى، فأجاب حسين بنعم. عن «دنيا الوطن»