انتهى موسم الحج للعام الهجري 1430 الموافق للسنة الميلادية 2009 بإعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن سعادته بالنجاح الذي تحقق على مستوى تنفيذ الخطط الأمنية والخدماتية والتنظيمية والوقائية. وقد كان من الواضح أن هذا الإعلان أملته خصوصيات الموسم التي أسفرت عن تقليص عدد الحجاج إلى 2 مليون و 312 ألفا و 278 حاجاً وعن تزامن موسم الحج مع نشوب الحرب مع الحوثيين على الحدود بين السعودية واليمن. فأمام ضخامة الحدث، فإن تسجيل العديد من النواقص والملاحظات لا يقلل بأي شكل من الأشكال من أهمية المشاريع التي أنجزت، كما أن المشاريع المبرمجة أو التي هي في طور الإنجاز تعد بالتحسن التدريجي لشروط أداء الحج، غير أن هذا التحسن لا يعفي بعثات الحجاج الوافدة من مختلف أنحاء العالم من مسؤولياتها لتعميم الاستفادة. أما بالنسبة للمغرب، الذي راكم تجارب العديد من مواسم الحج، فقد بات من المؤكد أن الخيارات والقرارات المتخذة على مستوى المركز تستحق التنويه، ولكن ترجمتها الى اجراءات عملية، يستفيد منها الحجاج أثناء إقامتهم بالديار السعودية، تحتاج إلى مراجعة شاملة وإلى تفادي كل العراقيل التي يترتب عنها بطلان الحج أو الحرمان من مجموعة من الحقوق الحيوية. 2- أولويات السلطات السعودية ومسؤوليات البعثة المغربية استطاعت المملكة العربية السعودية أن تتغلب على كثير من الصعاب ونجحت في وضع حد للوفيات بفعل الازدحام عند الطواف حول الكعبة وعند رمي الجمرات أو بفعل اندلاع النيران في الخيام بمنى، غير أن توفير حاجيات تنقل حوالي 3 ملايين حاج وحاجة في نفس التوقيت وفي نفس الاتجاه يقتضي إنجاز المزيد من البنيات التحتية وتوفير ما يكفي من آليات وتجهيزات التموين والتنظيف والنقل كما يقتضي التوفر علي موارد بشرية مؤهلة لتأمين مختلف الخدمات اللوجيستيكية بالجودة الكافية لتأمين راحة الحجاج. لقد تطلب تعدد الحاجيات وضع أولويات ترمي بشكل خاص الى توسيع الحرمين الشريفين في كل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وإلى التغلب علي مشاكل النقل والإسكان، وضمن هذا التوجه عاينا العديد من الأوراش الكبرى، وعانينا من عدة مشاكل كالاكتظاظ بالغرف الفندقية وغياب أبسط الخدمات بها، و طول مدة الانتظار للتنقل من نقطة لأخرى بحيث إن رحلة الذهاب من المغرب الى السعودية تطلبت منا الحضور إلى مطار الرباطسلا على الساعة الثالثة من صباح يوم 16 نونبر 2009 لكي نصل الى الفندق بمكةالمكرمة بعد حوالي 36 ساعة علما بأن مدة الطيران كانت في حدود 7 ساعات. نفس المعاناة تكررت في الرحلة التي حملتنا الي المدينةالمنورة حيث طلب منا أن نكون جاهزين لامتطاء الحافلات علي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الخميس 10 دجنبر لكن المغادرة لم تنطلق إلا بعد صلاة العصر أي حوالي الثالثة والنصف بعد الزوال، في حين أن الوصول الى الفندق بالمدينةالمنورة كان في حدود الساعة الثانية من صبح يوم الجمعة 11 دجنبر علما بأن المسافة الفاصلة بين المدينتين تقدر ب 470 كيلومترا فقط. أما بالنسبة للنقل بين منى وعرفات ومزدلفة ومكة فتم في شروط لا تليق حتى بنقل الدواب ، وقد يكون من المفيد تناول هذا المشكل في حلقة قادمة من هذه المذكرات. إن السلطات السعودية واعية بمشاكل النقل، ولذلك فإنها شرعت في إنجاز مشاريع كبرى شملت بشكل خاص إصلاح مدرجات مطاري جدةوالمدينة وتوسيع الشبكة الطرقية، كما أنها اعلنت على لسان وزير الحج فؤاد بن عبد السلام الفارسي عن رفع الطاقة الاستيعابية للنقل الترددي من 500 ألف الحالية الى 3 ملايين حاج ثم عن انجاز مشروع القطار الذي سينطلق عام 1431 ه بمسار واحد لينتهي سنة 1432 ه ب 6 مسارات متوازية، وفي انتظار ذلك فإن البعثة المغربية المكلفة برعاية الحجاج المغاربة مطالبة بأن تستحضر كل هذه الإكراهات وبأن تبادر الى وضع خطط مكملة لعلها تفلح في التخفيف عن الوفد المغربي من كل المتاعب التي يمكن تفاديها، فمسؤولية البعثة المغربية المكلفة بالتنظيم والرعاية الصحيةلا تقف عند تحويل الحجاج الي دواب لا يملكون إلا حق الرضوخ للأوامر والقرارات، ولكنها تنطلق من احترام الحجاج والتعامل معهم وفق التوجيهات الملكية السامية ووفق الخيارات المعتمدة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، ومن تعذر عليه الالتزام بهذا النهج فهو إما غير أهل للمهام التي أنيطت به أو له أولويات تنفذ على حساب راحة الحجاج أو يجمع بين الصفتين.