انتهى موسم الحج للعام الهجري 1430 الموافق للسنة الميلادية 2009 بإعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن سعادته بالنجاح الذي تحقق على مستوى تنفيذ الخطط الأمنية والخدماتية والتنظيمية والوقائية. وقد كان من الواضح أن هذا الإعلان أملته خصوصيات الموسم التي أسفرت عن تقليص عدد الحجاج إلى 2 مليون و 312 ألفا و 278 حاجاً وعن تزامن موسم الحج مع نشوب الحرب مع الحوثيين على الحدود بين السعودية واليمن. فأمام ضخامة الحدث، فإن تسجيل العديد من النواقص والملاحظات لا يقلل بأي شكل من الأشكال من أهمية المشاريع التي أنجزت، كما أن المشاريع المبرمجة أو التي هي في طور الإنجاز تعد بالتحسن التدريجي لشروط أداء الحج، غير أن هذا التحسن لا يعفي بعثات الحجاج الوافدة من مختلف أنحاء العالم من مسؤولياتها لتعميم الاستفادة. أما بالنسبة للمغرب، الذي راكم تجارب العديد من مواسم الحج، فقد بات من المؤكد أن الخيارات والقرارات المتخذة على مستوى المركز تستحق التنويه، ولكن ترجمتها الى اجراءات عملية، يستفيد منها الحجاج أثناء إقامتهم بالديار السعودية، تحتاج إلى مراجعة شاملة وإلى تفادي كل العراقيل التي يترتب عنها بطلان الحج أو الحرمان من مجموعة من الحقوق الحيوية. الظرفية الاستثنائية: تزامن موسم الحج لسنة 1430 ه مع انتشار مرض أنفلونزا الخنازير عبر مختلف أنحاء العالم. وقد كان لارتفاع عدد ضحايا هذا الوباء دور بارز في تقليص عدد الحجاج، كما أن إقدام بعض الدول، كالمغرب، دون سواها، على فرض التلقيح، أثار العديد من التخوفات والتساؤلات، خاصة أن اللقاح لم يكن متوفرا بالكميات الكافية، كما أن نجاعته كانت لاتزال في مرحلة التجريب. المخاوف التي أسفرت عن تراجع عدد الحجاج الوافدين من 183 دولة ب 115876 حاجاً ليستقر في 1 مليون و 613 ألفا و 965 حاجاً ساهمت عملياً في تحسين شروط إقامة الحجاج وفي التقليص من حدة الازدحام، أما وبعد أن انتهى موسم الحج بحصيلة رسمية حددها رئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبد العزيز في حصر حالات الإصابة المؤكدة في 73 منها 5 وفيات، فقد تأكد أن خطاب التخويف والتهويل تحطم أمام واقع اجتمعت فيه كل شروط انتشار الوباء، ذلك أن الحجاج غير السعوديين بالإضافة إلى الحجاج السعوديين البالغ عددهم 699313 حاجاً أقاموا طوال الفترة الفاصلة بين 8 و 13 ذي الحجة في خيام تأوي كل منها أزيد من 100 حاج وكانوا خلال هذه الفترة التي تميزت بتهاطل أمطار غزيرة، يواجهون مشاكل الازدحام وندرة الوجبات الغذائية الساخنة، وكانوا جميعاً يتقاسمون عدداً محدوداً من المراحيض ومن صنابير الماء الموجهة للوضوء، فالإيمان والعزيمة تفوقا على الخوف والهلع، وبدل أن يتحول موسم الحج الى مرتع لانتشارالوباء وارتفاع عدد ضحاياه، فإن حصر عدد القتلى في 5 من أصل حوالي 3 ملايين شاملة للشيوخ والعجزة والمصابين بأمراض مزمنة أعطى الدليل القاطع على أن نسبة الإصابة كانت ضئيلة مقارنة مع دول أخرى لا تواجه نفس الظروف الاستثنائية المميزة لموسم الحج. من المحقق أن السلطات السعودية بذلت كل ما في وسعها لمواجهة وباء أنفلونزا الخنازير، فهي لم تكتف بتكثيف حملات التوعية والتحفيز على وضع الأقنعة الواقية، بل إنها حرصت على توفير خدمات طبية مجانية لكل الوافدين على مصالحها الصحية المنتشرة في منى وعرفات ومزدلفة، فضلا عن مكة والمدينة المقدسة، كما أنها حاولت جهد المستطاع تجميع الأطنان من الأزبال رغم أن شدة الازدحام غالباً ما كانت تقف عائقاً حقيقياً أمام وصول الشاحنات الى المخيمات. ومن المحقق كذلك، أن تزامن موسم الحج مع نشوب الحرب مع الحوتيين على الحدود مع اليمن، وتزامنه كذلك مع الفيضانات الذي زاد عدد قتلاها في جدة عن المائة، فرض توزيع التجهيزات والموارد البشرية المتخصصة في التطبيب والتطهير والوقاية والأمن على مختلف المحطات التي كانت في أمس الحاجة إليها، لكن مع كل هذا، فإن الحصيلة كانت جد إيجابية في حين أن المشاريع التي دخلت مرحلة التنفيذ تعد بأن تكون شروط القيام بالمناسك في الموسم المقبل أحسن بكثير من الشروط التي ميزت الموسم الحالي.