من المنتظر أن تحتضن الدارالبيضاء، في الشوط الأول من السنة القادمة، أشغال منتدى دولي تحضره أزيد من ألف شخصية، ما بين فنانين، ومثقفين وفاعلين جمعويين. وتأتي التظاهرة، التي ستعطي للبيضاء عاصميتها الدولية ضمن مخطط للمنبر الأورومتوسطي الذي عقد جمعه العام يومي السبت والأحد 19 - 20 دجنبر الجاري بأسطنبول. وهو الجمع الذي انتهى بانتخاب أعضاء جدد في المجلس الإداري، كما جدد الثقة بالإجماع في رئيسه عبد المقصود الراشدي. افتتحت الأشغال بندوة دولية حول حرية التعبير وحرية الإبداع، شارك فيها محامون وباحثون وصحافيون ومبدعون. وقد كانت المداخلة التي تقدمت بها المحامية الفرنسية، وعضو المنظمة الحقوقية «هيومان ..» ، أنييس كوريرو، قد أثارت الفضول بحديثها عن التضييق على حرية الإبداع...بفرنسا. وطبعا كانت مداخلتها معززة بأمثلة عن قضايا إبداعية معروضة على المحاكم، بل الأدهى هي عندما تكلمت في اليوم الموالي عن محاكمات بتهمة التجديف !!!!blasphème. كاتب هذه السطور لم يجد بدا من أن يبدأ بالإحالة على مداخلة المحامية الفرنسية، لأنه لم يكن يخطر بالبال أن فرنسا الأنوار يمكنها، في أحد أيام الآحاد من القرن الواحد العشرين ان تطرح على نفسها سؤال حرية الإبداع، وقد مضى على الثورة الفرنسية قرنان من الزمن. وبالنسبة لإبداعنا فقد بدا أننا نلعب في ساحة واحدة بين الإبداع والصحافة، وأن الحرية مشدودة إلى حبلين، حبل المجتمع المحافظ والمنطوي على مثاليته، وحبل الدولة التي لا تملك ما يكفي من الصبر والشغف لكي تبني إنسانها الحر. شخصيا سأحتفظ من الندوات كلها بمداخلة باحث تركي حول حرية التعبير من خلال تجربة بلدية إسطنبول، والتي بناها على محاضر الاجتماعات. ولعل خلاصته الأساسية كانت هي ملاحظته بأن البلدية يتدخل فيها شخص واحد أثناء المناقشات، والأعضاء الآخرون مجرد مستمعين. هل لجأ إلى ذلك لكي لا يجابه الجيش؟ نعم، فهو يعتبر بأن الأمن الوطني أحد الحدود الخاصة بالحرية المتفق عليها في تركيا.. بدون عقدة. أورنيلا الإيطالية فاجأتنا بعرض مقتطع من حوار مع المخرج بازوليني، والذي يناقش فيه الحرية والتدجين، وكيف أن الفاشية فشلت في قتل الحرية ونجحت المثاقفة الفجة في وأدها. أما عند الاستماع إلى التونسي لطفي، فقد خلنا أننا نخرج للتو من رواية 1984، لجورج أوريل، حيث الأخ الأكبر، بيغ برودر، يراقب كل سكنات الأحياء. لقد فاجأتنا صورتنا فعلا في الأورومتوسط، وكيف يحظى المغرب بتمثيلية محترمة للغاية عبر منظماته الحقوقية والثقافية والشبابية، حيث أن المنبر، الذي يتكون من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية، والشبكات الأورومتوسطية المتخصصة، والشبكات المحلية والقطاعية والمنابر والشبكات الوطنية، ضم إلى جانب الحقوقيات والحقوقيين، مثقفين وفنانين، منهم نعيمة إلياس «زغرودة» الوفد الدائمة. كما أن الاهتمام الذي أولاه الإيطاليون، والبرتغاليون والفرنسيون للمغرب، جعلنا نحس بأننا مركز هذا المتوسط الذي يتحرك. شخصيا سرح خيالي وأنا أسمع ممثل الاتحاد الاوروبي، والمشرف على فريق العمل الأوروبي، الكونسورسيوم، يسألني عن درجة الخيبة في مغرب اليوم، هو الذي آمن بقدرة بلدي على التطور. لقد استطاع المغرب، من خلال الراشدي، أن يحصل على تزكية متوسطية، من أوروبا ومن البلدان العربية الحاضرة، وأن يسمع صوته، حتى في إقناع الفلسطينيين من جدوى «خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام». سنعود إلى تفاصيل الأيام في إسطنبول، لكن بالنسبة لي الأساسي هو الاهتمام الذي يوليه المجتمع المدني للحرية، الحرية في الإبداع أساسا. ولم يعد الأمر يتعلق بمطارحات ثاوية في الرفوف وفي المكتبات، بل هو معيار دولي نحاكم به وعليه، والمجتمع أيضا مسؤول عن درجة وعيه بالحرية. لقد ناقش الحضور بحرية فعلا، وجسدوا تلك القدرة التي يملكها الكائن الذي يسير نحو الشمس، بعينين مفتوحتين مهما كانت قوة الضوء.