أجساد آدمية تتساقط ، عند كل موسم خريف وشتاء، كما تتساقط أوراق الشجر، موعد لم يعد يخلفه العشرات من المشردين بسبب قساوة البرد أو نتيجة الكحول الحارقة التي باتت مادة مميتة ، سواء نتيجة الصراع حول الظفر بقنيناتها ، كما هو الحال بالنسبة لجريمة ساحة السراغنة مؤخرا، أو بسبب ما تحتويه من مواد سامة تؤدي بمستهلكها إلى الوفاة! آلاف القنينات توزع على محلات البقالة و «العطارة» بشكل سري على متن سيارات و «هوندات» وحتى «تريبورتورات»، يقتنيها بعض أصحاب المحلات بثمن لايتجاوز 3 دراهم ونصف على أن يتم بيعها ما بين 6 و 7 دراهم، أخذا بعين الاعتبار أن المقبلين على شرائها لم يعودوا من الأشخاص الذين يتعرضون لحادث التواء كاحل أو معصم أو أي عضو آخر، ويتعين عليهم «دلك» مكان الإصابة بالكحول وإحاطتها بالضمادات بعد غمسها فيها، أو من الحرفيين ، سيما العاملين في مجال صناعة وإصلاح الأحذية، أوبعض ربات البيوت ممن تسهل عليهن الكحول عملية إشعال نيران التدفئة والطبخ. فالزبناء الحاليون ليسوا سوى أشخاص مشردين لامأوى لهم ، تراهم بمختلف الملتقيات البيضاوية وعلى مقربة حتى من المؤسسات والإدارات العمومية والرسمية، يتجرعون جرعات الكحول وهم يتمايلون ذات اليمين وذات الشمال، وبعضهم يسكبها على قطع من القماش ، على غرار لصاق «السلسيون»، ويشرع في استنشاق رائحتها بحثا عن «دوخة» رخيصة الثمن، سريعة المفعول! قنينات الكحول هذه مجهولة المصدر، فواجهتها لاتتضمن أية معلومات عن الجهة المصنعة ولاتحمل تاريخ صلاحية استعمالها أو أية معلومات تدل الشخص الذي اقتناها ل «منبعها»، عكس منتوجات كثيرة، وهي العملية التي باتت مربحة لمصنعيها/منتجيها على كافة الأصعدة، بهدف عدم تحمل أية مسؤولية عن فسادها أو الغش في مكوناتها في حال وقوع حادث ما ، لتبقى بذلك المسؤولية بأكملها ملقاة على عاتق صاحب محل البقالة أو العطارة باعتباره آخر شخص كانت بحوزته، وقام بدوره ببيعها بشكل سري. السرية تشمل كذلك الأماكن التي تصنع وتعبأ فيها قنينات الكحول والتي ليست سوى «كاراجات» بالأحياء الشعبية ومستودعات/«هنكارات» بمناطق فلاحية باتت في «غفلة» من الجميع عبارة عن مناطق صناعية «تصنع» فيها أشياء مختلفة، بما فيها تلك الضارة والمحظورة، دون أية مراقبة أو تتبع ، حتى وإن كان ثمن ذلك إزهاق الأرواح البشرية بالشوارع !