بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ظنوا علي كرام الشاعر يوسف السودا قبل أن تنهض منى اتجها مشيا جهة الشمال، اختلسا همسا موحيا.. دخلا كوخا مهترئا متقادما آيلا للسقوط .. صاحبه خفية حارس ليلي فيما اعتقد.. افترشا تبنا وعشبا، التحفا تربة سوداء صافية اللون.. تحولت الأيدي فأصبحت متشابكة، الجسد ممشوق، أحمر الشفاه آيل للزوال. وصمت .. الكلام لا يجدي نفعا اللحظة. نظرت إليه ضحكت لحظة، تمسح ساعده برأسها تارة ثم بمقدمة الجبهة مرة أخرى، تبادلا حبا بتثاقل فيه لذة، مستمتعين بقبلات جميلة والتصاق جسدين تحت أنوار شمعة شاحبة الضياء في مساء ليلة مقمرة. لم يكن هناك خوف أو تخوف من بدء مغامرة اكتشاف تفاصيل جسد أنثوي باذخ.. سلسلة مداعبات بحواش وفواصل وتقاطيع خاصة.. في مفترق العنق والظهر والحوض والنهد والخصر والساق.. خلال اليوم الموالي غادر المدينة واتجه إلى بيت صديقه بالمدينة المجاورة. في طريق ركوبه استحضر المكان الذي يعيش فيه، خيبته، فظاعته، توحشه.. فضاءات ولا فضاءات، معنى ولامعنى. في أول لقاء بصديقه المهدي..حكى له عن أوجاعه وتوجساته ومدينته الموحشة. حينما انتهى السيد بكى لحظة فرحا، وبكى لحظات حزنا وتوجسا من الآتي المجهول.. خاطبه صديقه الحميم المهدي بعدما علم جمال زمن جديد يحياه مع منى. قال المهدي: « تمنيت لك أن تحيا وتعيش الآن ولا حقا مع منى، لكن في مدينة ليست كمدننا المخزية.. مدينة مضيئة لامعة، ليست شديدة القبح مثل هذه المتخلفة، أحوالها كأحوال مواطنيها، بؤس وضنك وضيق حال.. أخالك بمدينة غير مألوفة مؤثثة فضاءات ممتلئة بشوارع ودروب نظيفة لا تؤذي أحدا، أضواؤها في كل مكان، وأصواتها غير مسموعة، وجنباتها حدائق واخضرار ومنتزهات وبحيرات وممرات عريضة وبهية.. وأشجار تحيط بها وزهور ومبان عظيمة الهندسة والجمال ، مدينة مسيجة بغابات أشجار الزيتون والبرتقال والأرز والبلوط.. بعيدة عن كل مكان موسخ ملوث، الهواء النقي يأتي من كل ممر وجانب..». تملكت السيد قشعريرة ممتلئة إحساسات متعارضة.. إحساس عن تحقق حلم جميل ببناء تلك المدينة الفريدة الشكل والهندسة، وتوجس وإحساس بالخوف من تهدم سريع لأحلام البناء المنتظر.. خلف كل مدينة قبيحة أناس قبيحون، وأفكار قبيحة. بهذا أصبح السيد يؤمن و يفكر. مدنا الحالية تمارس علينا قهرا يوميا واضطهادا يغتصب كل إبداع نحلم به. - المهدي:»انظر إلى مدننا مشطورة إلى جزأين: عصري وعتيق. وحتى الشطر المدعى عصري مشوه إلى أقصى حد، اسمنت ثم اسمنت، علو بدون معنى، خراب في خراب.. مدن متبرجة الحداثة، منسلخة عن تاريخها المعتق، أسوار جوفاء وسقوف إسمنت خرساء واطئة وعالية.. روح ميتة فنيا وثقافيا.. مدن موحشة كالقبور، سياجها أحزمة فقر وحلقات صفيح وزنك، وفظا عات في كل مكان ..». العمارة رمز للوجود الإنساني، فالمنازل والدروب والأحياء والشوارع المشوهة سجن لإنسانية الإنسان، عمارة البلاد المتخلفة تغذي كل بواعث الشر الكامنة في دواخلنا.، كما تقوي خطابات الرزايا. قال المهدي : « أدعوك صاحبي إلى هدم الكل وإعادة بناء الكل..». تلك خلاصة صديق السيد الحميم.. ماذا يفعل ؟؟ ومن أين يبدأ ؟.