الحب الذي يموت، تنبعث منه رائحة طيبة تشبه في الغالب رائحة الوردة التي تضعها مراهقاتنا بين أوراق كتاب عاطفي. الحب الذي يتناثر مثل الدموع أو الذي ينهمر علينا مثل سيل، هو الذي يحول جسدها موجة بيضاء ويكون العناق مثل إشارة بين بحارة تائهين في اللجة. الحب هو أيضا أن تتلعثم بين ذراعيها، لا لشيء سوى لأن المرأة التي تحب لا مكان لها في البر، بل في المطر الذي يعدك بألف زهرة قرنفل وألف غصن مشبع بالكاريدينيا. الحب في هذا العالم هو الطريقة السوية الوحيدة لكي تسخر من المتطرفين والمتنمرين في الغياب، وهو أيضا الطريقة الفضلى لكي تؤمن بسلامة العقيدة التي تجعل الأنبياء أحسن من تعامل مع المرأة، في حين أن الأتباع يقتلونها بجرة سيف بدعوى الطهارة.. الحب الذي يرتفع مثل بخار في بداية شهر مارس، هو الحب الذي ينزل مثل أمطار أبريل، فجائيا، ومثل لمسات متتابعة لرسام بوهيمي، وهوالذي يجعلك تشتاق دوما إلى مغن ما، لكي تقنع مزاجك بأن يكون سلسا مثل أضحوكة. الحب الذي حول روني شار إلى مقاتل، وحول بول إيلوار إلى نائح كبير في عاصمة فرنسا، باريز التي حولها الحب إلى شعاب في الجزيرة، تردد اسم إيلسا مثلما كانت الجبال تردد اسم ليلى، هذا الحب هو الذي سيجعل كل المتشائمين وكل الشعبويين يشعرون بأنهم مطالبون بتخريب العالم لكي لا يكون فيه رجل وامرأة يشدان بيد بعضيهما، وقد يدخلان السينما.. الحب هو الذي يجعلك بالفعل تعيش في المكان الذي يعيش فيه المحبوب، وهو مسافر، وتبقى مرتبطا به مثل رجل أعمال مرتبط بأحوال الطقس في النشرة الجوية. لأنك غني بالشمس الذي تشرق على المحبوب، وغني أيضا بالمطر الذي يبلل شرفته أو يبلل معطفه، وتتخيل معي أنه بني أو أسود، وبالريح وهي تلعب بالشعر كما في قصيدة يوسف لمحمود درويش، وغني بالنخلة التي يسير بقربها من تحب أو غني بشجر الدفلى وهو يلمس جسده في خيالك.. الحب أيضا صيغة متقدمة للصلاة، وصيغة متقدمة للتوحيد، وصيغة جد إيجابية في الأغنية وفي النشيد، وصيغة رائعة للثورة.. الثوريون الذين لم يستسلموا للحب، استسلموا لليأس أو فشلوا، وأغلب الثورات الفاشلة هي التي لم تكن فيها النساء، ولم تكن فيها قصص حب صغيرة، صغيرة صغيرة جدا إلى حد القلب... قلب الأوضاع العامة وليس القلب العضلة المترنمة بالمحبوب.. الحب هو الثورة الوحيدة الناجحة في العالم هو الحياة الوحيدة حتى بعد الموت، الحب أيضا الباب الوحيد المفتوح في وجه العالم، والباب الوحيد الذي يصلك بالأنبياء في قاعتهم الفسيحة في الأبدية وبالملائكة أيضا في الطابق السابع من الكون وهم يمرحون بك.. ألم يسجدوا لآدم العاشق، ألم يغادر هو الجنة من أجلها؟ الحب كما قال جاك يريفير، صاف كما النهار، بسيط كالتحية، عار مثل اليد .. الحب الطريقة الوحيدة لكي تكون بليدا للغاية مثل وردة، ومعتوها مثل النسيم وجائعا مثل فراشة، وورعا مثل النار وهي تلتهم نفسها، الحب أيضا هو القدرة على أن تشكر المحبوب على اليأس الذي يتسبب لك فيه، وتحبه وتشكره على أنه قادك إلى اليأس .. الحب الحكيم، الوحيد، الخدوم والسري .. الحب الذي تخبئه من أجل أن تحب امرأة أو من أجل أن تحب المرأة الرجل في النهاية.. الحب الذي يجعل التاريخ في علبة هدية، أو في تفاحة. والذي يجعل كل الطهرانيين يشعرون بالذنب ويضعون التاريخ في ثلاجة مستشفى الأمراض النفسية.. لا تسألوا عما هي المناسبة، بل إنه الضجر من بشرية تبدع كثيرا في الغبار ولا تنتبه إلى قطرة مطر في عين امرأة، البشرية التي تجتمع مطولا لكي تجد مبررا لليأس ولا تجد ما يكفي من الحجج لكي تنتصر لعاشق في وحدته.. هذه البشرية التي تنتشي بأنها تستمر بفضل الحب وحده فقط ولا شيء غيره..