كانت (إ) ومثلها (رَ) تعتقدان أن النزوح إلى مدينة كبيرة مثل الدارالبيضاءوالمحمدية، حيث تتمركز الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، سيكون بالنسبة لكل واحدة منهما مفتاح خير يجعلها تهرب من شقاوة الحياة التي عاشتها في مسقط رأسها . ذلك ما دفع الأولى من مواليد 1988 بابن سليمان لأسرة محدودة الدخل، لكون كل من أبيها وأمها يعملان بقطاع الفلاحة الموسمي، لإعالة سبعة أطفال هي أكبرهم إلى مغادرة الدوار والنزوح لمدينة ابن سليمان التي لم تتمكن من الحصول فيها على شغل «حتى ولو كان في إحدى المقاهي من أجل التنظيف والغسيل»، كما جاء في محضر هذه القضية، لتستقل الحافلة وتصل إلى المحمدية. من مدينة أزمور، حيث شهدت نور الحياة (رَ) عام 1985 وسط أسرة فقيرة كانت تعيش من مداخيل أمها التي تبيع بعض أدوات الزينة أمام ضريح المدينة وأب كان كثير الغياب لاشتغاله بالصيد المحدود الدخل، وإخوتها الستة الذين ذهب أكبرهم لينخرط في الجندية ليدافع عن حدود الوطن بالجنوب، لتجد (رَ) نفسها وحيدة حرة اكتشفت قبل بلوغها ما يفعله بعض الرجال والنساء في بعض المنازل بالزقاق الذي تسكنه لتنخرط معهم باتفاق مع أمها بعد مرض هذه الأخيرة ! لكن النفقة على إخوتها و مصاريف الأدوية هزمتها، خاصة وأن تعاطي الفساد هناك مسألة مناسباتية وموسمية. انتقلت (رَ) إلى الدارالبيضاء، فلم تجد لا سكنا ولا شغلا، وبمحطة الحافلات 900 تعرفت على (إ) التي كانت قد قضت الليلة عند شاب بشقته بالبيضاء، وتتأهب للعودة للمحمدية، وفي انتظار الطوبيس، تجاذبتا أطراف الحديث فبادرت (رَ) إلى طلب المساعدة من (إ) فصارحتها هذه الأخيرة بوضعيتها واقترحت عليها استضافتها في الغرفة التي تكتريها بأحد المنازل بالمحمدية لتبدأ رحلتهما معا نحو الحرام. في المحضر المنجز من طرف فرقة الأمن التي كانت تقوم بدورية بالمدينة، لاحظ أحد عناصرها فتاتين في مقتبل العمر ترتديان لباساً جميلا وتحمل كل واحدة منهما حقيبة يدوية وكتبا، فاعتقد في أول الأمر أنهما طالبتان في طريقهما الى الكلية، خاصة وأنهما لم تكونا واقفتين، لكن بعد أن عادت الدورية من نفس الشارع، حيث الإقامات الفاخرة، لاحظ الشرطي أن «الطالبتين المزورتين» لازالتا في نفس مكانهما، وبإشارة لزميله السائق باغتتهما سيارة الأمن بالوقوف أمامهما. زميل مفتش الأمن تعرف على (إ) بحكم سوابقها واقتيدتا للمخفر، حيث أنجز لهما محضر للتحريض على الفساد بالشارع العام، وهي الجنحة التي تمت متابعتهما بها من طرف النيابة العامة لتدينهما المحكمة الابتدائية بالمحمدية بشهر واحد حبساً نافذاً وغرامة مالية قدرها 500 درهم. الملف أدرج في المرحلة الاستئنافية، لكن بعد عدم حضور أية واحدة من المدانتين ومثولها أمام المحكمة، قررت الهيئة اعتبار الملف جاهزاً وتأكيد الحكم الابتدائي، كما التمس ذلك ممثل النيابة العامة الذي قال رداً على جواب رئيس الهيئة «إلى ما جاوش بخاطرهم داب إيجيو بزز». للإشارة، فإن عقوبة الفساد المقررة في الفصل 490 من القانون الجنائي تتراوح من شهر إلى سنة حبساً نافذاً.