هذه دولة مصر مرة أخرى، تعرف توترا وترقبا لما سيؤول اليه الوضع، الترقب جاء عقب تداول مجموعة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر لمنشورات احتجاجية “وهاشتاغات” تندد بحكم عبد الفتاح السيسي. لنعد قليلًا إلى الوراء ونتساءل: كيف بدأت القصة؟ تعود أطوار القصة إلى ما قبل أسبوعين ونيِّف، حيث ظهر شاب مصري مغمور يُدعى محمد علي، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك من خلال مقاطع فيديو يتحدث فيها عن الأوضاع السياسية في مصر، خصوصًا الشق المتعلق بالجيش المصري. وقد كانت المقاطع التي ينشرها هذا الشاب تُستقبل بالكثير من المشاركات والتفاعل من طرف المتابعين، مما جعل شعبيته ترتفع بشكل كبير. من هو محمد علي؟ محمد علي هو ممثل مصري شارك في العديد من المسلسلات الدرامية والأفلام، لكن يبدو أن الدور الأبرز الذي جعله يشتهر بعض الشيء كان في فيلم “البر التاني” الذي كان من إنتاجه الخاص ولعب فيه أيضا دور البطولة. لكن بالرغم من أن محمد علي ممثل سينمائي، بقي مغمورا لا يعرفه الكثيرون، في موازاة ذلك كان منذ ال15 سنة يمتهن العمل في قطاع مقاولات البناء. كما أنه قام بإنجاز مشاريع بالتعاون مع الهيئة الهندسية التابعة للجيش المصري، وذلك عن طريق الشركة التي كان يديرها. وقد صرح محمد علي بأن أعماله في مجال المقاولات هو الذي مهد له طريق الدخول إلى عالم الفن. مِن مقاول يعمل بالتعاون مع الجيش، إلى ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي يحتج على الرئيس السيسي والجيش، كيف حدث هذا التحول؟ لقد وجّه محمد علي أصابع الاتهام، من خلال مقاطعه التي ينشر بشكل مستمر، نحو الرئيس المصري وزوجته وقادة الجيش متهمًا إياهم “بإهدار مليارات الجنيهات من المال العام على مصالح شخصية”، فضلا عن إنجاز مجموعة من المشاريع من دون دراسة أو جدوى اقتصادية. وقد صرح في إحدى المرات بأنه ينشر هذه المقاطع من إسبانيا بعد مغادرته لمصر عقب “عدم حصوله على مستحقاته المالية” عن أعمال نفذتها شركته لصالح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. من مصر إلى إسبانيا، كيف حدث هذا “الهروب”؟ نشرت إحدى الجرائد المصرية، في يناير الماضي، خبرًا مفاده أن الفنان محمد علي يقوم بتدريبات شاقة استعدادا لتصوير أحد أفلامه الجديدة تحت عنوان “الفرعون المصري”، وذكرت ذات الصحيفة أن الفيلم سيصور في مصر وإسبانيا بالتعاون مع مجموعة من الفنانين العالميين. ولم يُعرف بشكل واضح الجهة التي سربت أخبار إنتاج الفيلم إلى الجرائد المصرية. ويبدو أن محمد علي قد استغل خطاب نظام السيسي في حربه على الإرهاب ليروج بأن الفيلم يتبنى نفس الرسالة، وأنه اختار إسبانيا مكانا للتصوير لأنه كانت له تجربة سابقة في العمل هناك. وقد اتضح لاحقًا أن تصوير هذا الفيلم المزعوم لم يكن سوى خطة لهروبه من مصر. مقاطع محمد علي والضغط على النظام: استمر محمد علي في نشر مقاطعه المصورة والتي كان يهاجم فيها الرئيس المصري بشكل مباشر. واختلفت طرق مهاجمة محمد علي للرئيس ابتداء من قذفه بتهم “الفساد المالي”، مرورا باتهامه “بإنجاز مشاريع دون فائدة”، و”تبذير أموال الدولة” كما أنه في مقاطع أخرى انتقد الطريقة “المهينة” التي تعامل بها ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان مع الرئيس المصري، وأيضا طريقة تعامله ب”ضعف” مع أمراء السعودية والإمارات طلبا للمال، وخضوعه أمام دونالد ترامب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. بينما بالمقابل وعلى العكس من ذلك، التعامل بقسوة وصرامة وخطاب ديكتاتوري مع الشعب المصري. هذا الامر جعل مجموعة من الإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام، يشنون هجوما شرسا على محمد علي، متهمينه باستهداف سمعة الجيش والحكومة والرئيس، ومحاولة العبث بأمن واستقرار البلد. محمد علي وخطة “طرد السيسي” من الرئاسة: تقدم محمد علي، من خلال فيديوهاته، “بخطة عملية” قال بأنه قسمها إلى قسمين أساسيين: الجزء الأول منها سيكون إلكتروني صرف. وذلك عن طريق إطلاق مجموعة من الشعارات على شكل “هاشتاغ” ليجس به نبض الشعب المصري في مدى التفاعل مع مطالب التغيير التي ينادي بها، وهي دعوة صريحة أيضا للرئيس السيسي للتنحي عن سدة الحكم رضوخا للمطالب الشعبية. أما الجزء الثاني من “الخطة العملية” هو الدعوة إلى الخروج إلى الشارع في مختلف المدن والمحافظات المصرية يوم أمس الجمعة إذا لم يتجاوب الرئيس المصري مع احتجاجات المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن محمد علي دعا “كل العامل” إلى مراقبة ومتابعة هذا التحرك والحكم عليه. وفي نفس الوقت وجه محمد علي كلمة إلى وزير الدفاع الفريق محمد زكي يدعوه فيها إلى “إجبار” السيسي على مغادرة منصب الرئاسة بل واعتقاله في حال رفضه للأمر. تحرك واقعي أم جعجعة بلا طحين؟ تجاوبا مع دعوة محمد علي فقد تصدرت بالفعل، شعارات المقاول والفنان، مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا التويتر، بل وقد كانت تلك الشعارات هي الأكثر تداولا ليس فقط داخل دولة مصر بل أيضا تصدرت مجموعة من الدول العربية كالجزائر والكويت والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وقطر. وقد قارب عدد المتفاعلين أن يتجاوز النصف مليون في الأيام الأخيرة. ودعا محمد علي الشعب المصري للنزول إلى الشارع يوم أمس الجمعة قبيل ساعة من مباراة كأس “السوبر” المحلي بين هرمي كرة القدم المصرية الأهلي والزمالك. الشيء الذي جعل الاتحاد المصري لكرة القدم يعلن، يوم الخميس، عن تعديل موعد المباراة بطلب أمني، لتتحول إلى السابعة مساء، وهو نفس توقيت النزول الذي دعا إليه محمد علي. وبعد هذا الإعلان الأخير، قام الفنان ورجل الأعمال المصري، أيضا بتغيير موعد الاحتجاجات المحتملة عبر مقطع نشره في صفحته على فيسبوك، ليحوله إلى ما بعد مباراة الكأس وليس قبلها. ماذا حدث بعد المباراة؟ تناقلت العديد من الصفحات والحسابات الخاصة على موقع فيسبوك وتويتر، مقاطع شاركها محمد علي عبر صفحته الخاصة لتجمعات احتجاجية لبعض الأشخاص في ميدان التحرير وميدان رمسيس وفي مناطق متفرقة أخرى، أطلقوا خلالها المتجمهرون أبواق سياراتهم، بينما هتف الراجلون منهم بهتافات مناهضة للنظام وللرئيس السيسي. وقد اختلفت هذه الهتافات بين: “الشعب يريد إسقاط النظام”، كما هتف البعض الآخر “يسقط يسقط حكم السيسي”. لكن الشيء غير المألوف هو أنه لم يكن هناك أي تنزيل أمني مشدد جدا ولم تسجل إلى حدود كتابة هذا المقال اعتداءات على المتظاهرين. أين هو السيسي من كل هذا الموضوع؟ أفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد غادر القاهرة مساء يوم الجمعة متوجها إلى نيويورك للمشاركة في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضافت الوكالة أن من المنتظر أن يلقي عبد الفتاح السيسي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء 25 شتنبر الجاري، وأيضا فإنه سيلتقي بعدد من رؤساء دول العالم على خلفية الاجتماعات المقررة للجمعية العامة. هذا الإعلان أدى إلى ظهور تفسيرات وتأويلات عبر منصات التواصل الاجتماعي. فهناك من رأى بأن هذه الخطوة ترمي إلى إظهار وثوق واعتماد السيسي على ولاء الجيش وجهاز الأمن وغيره من أجهزة الدولة. بينما ذهب آخرون إلى أن هذا السفر ما هو إلا هروب من مواجهة محتملة مع احتجاجات الشوارع أو هروب من اصطدام محتمل مع بعض أجنحة نظامه. اسقاط لافتة تحمل صورة السيسي