رغم أن المغرب يتوفر على أزيد من 300 مدينة، فإن الحظوة الملكية ركزت أكثر على مدينتين اثنتين وهما مدينة الحسيمة ومدينة زاكورة وحينما نقول الحظوة فإن المقصود هو ذاك التمييز الإيجابي (la discrimination positive) الذي يروم سد الفجوة وردم الهوة. فرغم روعة مناظر زاكورة فالدولة حولت هذه المنطقة منذ البدايات الأولى للاستقلال إلى مجال لطمر البشر المعارض للسياسة الرسمية. فكان ذاك القرار القاضي بتحويل زاكورة إلى إقليم حاضن للسجون السرية والمعتقلات الرهيبة (أكدز، تاكونيت، لمحاميد) بدل أن تتحول إلى قطب جذب للسياحة الوطنية والأجنبية للاستمتاع بواحات درعة الممتدة من دادس إلى أسرير. ورغم جمال الحسيمة وافتتان المرء بساحلها وأجرافها فقد كانت هي الأخرى مدينة منبوذة من طرف الدولة لرمزيتها كعاصمة للريف المتمرد، وبدل أن تتحول غابات الريف وسواحل الحسيمة إلى ملاذ آمن للمغاربة تم بناء جدار أمني عازل بين الريف وباقي التراب الوطني. وكان علينا انتظار خريف 1999 لنعاين الصحوة الرسمية للمصالحة مع المجالات الواحية بدرعة من جهة والمصالحة مع المجالات الريفية من جهة ثانية عبر هدم السجون السرية أو تحويلها إلى متاحف وعبر رد الاعتبار لرموز المقاومة الريفية. وهي الصحوة التي ستثمر سابقة إيجابية في الأدبيات السياسية عامي 2004 و2005 حينما ترأس الملك يوم 25 فبراير 2004 حفلا كبيرا لإعداد مخطط تنموي مندمج لتأهيل إقليمالحسيمة وإعمار الريف. وأيضا لدى ترأسه بزاكورة يوم 4 فبراير 2005 حفلا لتوقيع اتفاقية استراتيجية تنمية ورزازات وزاكورة (210 مليار سنتيم). من هنا نفهم لماذا يعتبر الإخلال بالواجب من طرف مسؤولي الإدارات العمومية بإقليميالحسيمة وزاكورة مقرونا بظروف التشديد. فالمسؤول المعين في أي إقليم بالمغرب إذا كان يفترض فيه تمثل توجهات عقل الدولة واستقراء عمق انتظاراتها إلا أن المسؤول المعين في منطقة الريف ودرعة مفروض فيه أن يستحضر الدلالات والرمزيات أيضا تحت طائلة أن تكون عقوبته أشد. فمن أصل المدن الثلاثمائة بالمغرب الموزعة على 71 عمالة وإقليم، لم تدخل للقاموس السياسي سوى مدينتين كما قلنا (الحسيمة وزاكورة) حيث تم تخصيصهما ببلاغ رسمي تم اختيار لغته وألفاظه بعناية (مخطط تنموي، استراتيجية تنمية) في حين كانت المجالات الترابية الأخرى تدرج كأحواض جهوية وليس كمدن في حد ذاتها. فمن أصل سبع اجتماعات كبرى ترأسها الملك لتنمية المجالات الترابية نجد أن اجتماعين ظفرت بهما الحسيمة وزاكورة بينما الاجتماعات الخمسة الأخرى خصصت لكل من جهة تطوان طنجة (8 يوليوز 2002) والجهة الشرقية (18 مارس 2003) وجهة سوس (15 يناير 2005) وجهة مكناس تافيلالت (25 شتنبر 2005) ثم جهة الدارالبيضاء الكبرى (21 أكتوبر 2008). تضاف لها الأقاليم الجنوبية التي أفرد لها خطاب ملكي خاص (خطاب العيون 6 مارس 2002) وما تلاه من رصد غلاف قارب 720 مليار سنتيم للفترة 2008-2004. (نستثني هنا الاجتماعات القطاعية العديدة حول مختلف المدن التي ترأسها الملك) فإذا كان مطلوبا في البنايات بالحسيمة أن تتوفر على الضوابط المضادة للزلازل فالمفروض في كل مسؤول بهذا الإقليم أن تتوفر فيه ضوابط مضادة لزلازل الإخلال بالمسؤولية. وإذا كان المغرب قد أحدث وكالة خاصة بالواحات في الجنوب لمقاومة زحف الرمال والتصحر فالمفروض في المسؤولين المعينين هناك أن يقاوموا زحف الخمول وصحراء الكسل، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة. وقد أعذر من أنذر. عبد الرحيم أريري