كان نور الدين صحيح شخص فريد من نوعه يعرفه جل الفنانين و النقاد و عشاق السينما خلال فترة الثمانينات و التسعينات بالمغرب. عشق السينما بجنون كبير وعمل داخل النادي السينمائي بمدينة اليوسفية وراكم معرفة سينمائية سمحت له بكتابة العديد من المقالات التحليلية والنقدية حول أفلام مغربية و روائع عالمية و ملصقات سينمائية ، حلم وعمل كثيرا من أجل شق طريقه الخاص في مجال الإبداع السينمائي...لكن المرض الخبيث لاحقه قبل أن يرسم خياله على الشاشة. كم من شاب يجد طريق الإبداع معبدة أمامه من طرف أسرته و علاقاتها الممتدة ؟ كم من طالب مغربي يدخل مؤسسات التكوين السمعي البصري بالمغرب و أوربا ؟ كم منهم يصبح مخرجا قادرا على تجسيد خياله على الشاشة ؟ كم من هؤلاء يستطيع أن يقدم إبداعا غير مسبوق ؟ كل الأساتذة الذين يدرسون السينما عبر العالم يؤكدون أن مستوى الكفاءات التقنية و الاحترافية و الدبلومات مهما كانت قيمتها فهي لا تضمن لأي كان مكانا تحت نور الشمس في مشهد المبدعين الحقيقيين. فإذا كان الإنتاج السينمائي يتضمن، عبر العقود المتتالية، العديد من الأفلام التي رسمها مخرجون لهم دبلومات أكبر مؤسسات التكوين بأوربا دون أن تكون لها قيمة إبداعية تذكر ، فتاريخ السينما مليء أيضا بأمثلة الروائع النابعة من خيال مخرجين عصاميين عشقوا السينما و راكموا مرجعيات و مشاهدات. كان نور الدين صحيح مشروع من هذه الطينة ، على الأقل بالنسبة لأصدقائه الذين كانوا يصغون إليه و يحاورونه. و كان دائما يقول بكثير من الوثوقية البريئة أنه سيفاجئهم بعمل سينمائي رائد. كانت ثقته بنفسه تدفعه للتعرف بسهولة على العديد من المخرجين و التقنيين و النقاد الذين كانوا يعرفونه و يبادلونه الحديث ، بكثير من الاحترام ، حول الأعمال و المشاريع السينمائية. وقد اشتغل بكثير من نكران الذات مع المخرج عبد الكريم الدرقاوي في إعداد وتصوير "زنقة القاهرة". و في انتظار إمكانيات إنتاج سيناريوهاته الجاهزة كان يحضر المهرجانات التي يستدعى إليها بحثا عن فرص إخراج حلمه للوجود. عندما كان نور الدين صحيح يتناول فيلما أو ملصقا لتحليله و إبداء رأيه فيه، غالبا ما كان يطرحه بجرأة نادرة و بحدة لا تدع مجالا للمجاملة ، مما كان يثير غضب المبدع صاحب الفيلم أو من يمثله. حصل هذا عندما كتب مقالا عن "شاطئ الأطفال الضائعين" مركزا في تحليله على "التناص" القوي للفيلم مع فيلم "ابنة ريان (La fille de Ryan) و حصل نفس الشيء لما أشار إلى التقاطع الكبير لفيلم "ولد بدون زلاجتين" مع فيلم "خبز وشوكولاطة" (Pain et chocolat ). كان له أيضا مشروع كتاب حول " تناص" الفيلموغرافيا المغربية مع روائع السينما العالمية، و لم تمنعه مشاريعة المتعددة من المساهمة في تنشيط عروض سينمائية بمدينة اليوسفية. حال المرض دون حضور نور الدين للدورة الثالثة للمهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات ، بعدما سبق له أن حضر دورتيه الأولى و الثانية و ساهم بتلقائية في تأطير الهواة المشاركين في المسابقة و المحترفات ، و كانت في لصراحته المألوفة وقع كبير في الدورة الثانية عندما نبه أحد الهواة إلى ضرورة الابتعاد عن الابتذال إذا كان يرغب بحق في الإبداع. نصحه بعض زملائه بالتقليص من حدة تدخلاته و مقالاته التحليلية ، و بدل ذلك فضل الصمت و البحث عن وسائل لرسم خياله الخاص لكن غياب فرص حقيقية للمبدعين "العصاميين" و المرض الخبيث الذي ألم به وضعا حدا لأحلامه و أنفاسه. ضمير اليقوتي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة